نجاح الدول لا يتعلق اليوم بما تمتلكه من مقومات ومقدرات داخلية، نجاح الدول علاقات وتعاون متعدد مع غيرها من الدول، وغالبية الدول الحديثة لديها دساتير وقوانين تنظم شؤونها الداخلية وقوانين تضبط علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى ومع المنظمات والهيئات الدولية، وربما هناك قلة قليلة من الدول ليس لديها دساتير، لكنها لا تخلو من قوانين تنظم شؤونها الداخلية في مختلف المجالات قوانين مدنية وقوانين عقوبات وقوانين تنظم المجتمع وتفصل في المنازعات التجارية.. إلخ...
ومن الصعوبة بمكان أن تعيش خارج التاريخ وتؤسس مجتمعا بلا قوانين، وينبغي أن تكون هذه القوانين محل رضا وثقة الدول الأخرى ناهيك عن الأفراد أو الشركات، كي تساعدك في إقامة علاقات تعاون واستثمار متبادل، والبلد غير المنظم بقوانين محددة المعالم واضحة القسمات يحكم على نفسه بالعزلة أو في أحسن الأحوال يقبل أن يعيش حياة بدائية، وبالتالي يحكم على شعبه بالهجرة لمن استطاع إليها سبيلا.
وهذا الأمر يقود إلى تجفيف المجتمع من كل سبل العيش وهجرة رؤوس الأموال، وتغدو البيئة الاجتماعية طاردة لرؤوس الأموال سواء كانت رؤوس الأموال محلية أو خارجية، ورأس المال دائماً جبان يحتاج إلى ضمانات قانونية ونصوص واضحة لا تقبل التأويل أو الاجتهاد، ولا يكفي أن تكون لديك قوانين وضعية، لكي تؤسس لبيئة آمنة ومطمئنة تجذب رؤوس الأموال، بل عليك أن تجعلها قوانين فعالة وتعمل السلطة بمقتضاها ولا يجري التحايل في أحكامها عند المنازعات أو عند تنفيذها.
لقد جاء القرآن الكريم يتضمن تشريعات وحدودا تتناسب مع المجتمع القبيلي الجاهلي، حيث كانت حياة الناس بسيطة جداً، ولم تكن بهذا التعقيد والتشعب في حياة الدول والمجتمعات المعاصرة مجتمعات المدنية وزيادة متطلبات حياة الناس ونمط عيشهم المختلف، الأمر الذي استلزم تشريعات جديدة تنظم حياة الناس فيها ومعاملاتهم.
فلم تعد حياة الناس تقتصر على الكلأ والماء والمرعى وحل منازعاتها، بل تفرعت عن حياة الناس في المدنية الحديثة منازعات جديدة تحتاج إلى تنظيم وتقنين، ناهيك عن حاجة المجتمعات الحديثة إلى أشكال جديدة من التنظيم الاجتماعي وتنظيم عمل السلطات فيها وكيفية تشكيلها وتناوب تداولها وتقنين عمل المهن المختلفة وفض المنازعات فيها.
والعمل وفقاً للدستور والقوانين الوضعية يشكل أكبر ضمانة لحماية حقوق الناس وضمان حماية الدين من أي إخفاقات أو فشل في تحقيق نمط حياة أفضل للناس، سعي بعض الناس إلى تحميل القرآن وزر الإخفاقات البشرية عمل أرعن وغير مدروس، فإذا كان نجاحك يتعلق بعلاقاتك بالغير، وهذا الغير لن يقيمها إلا بوجود ضمانات قانونية تنظم شؤونك من خلالها، وفي حال غابت هذه الضمانات، بالتأكيد لن يتعامل معك أحد وستفرض على نفسك عزلة وهذا سيفضي إلى فشل وإخفاقات وتدهور في حياة المجتمع، تخيل فشلا وإخفاقات في إدارة الشأن العام نتيجة العزلة الاختيارية الناجمة عن سوء التقدير، وفي نفس الوقت سلطة تصر على أنها تدير شأن البلد بالقرآن دستوراً، فإنه كلما ازدادت أوضاع الناس سوءاً، فلا محالة سيحدث ربط بين الأوضاع السيئة والقرآن.
لذا أقول احموا القرآن وجنبوه زلات وأخطاء وإخفاقات الممارسات البشرية.
رسالة لا بد منها:
حولوا النظام إلى نظام رئاسي مثلما هو حاصل في إيران وتركيا، واقضوا على ازدواجية القرار... هذا النظام القائم نظام عبثي، ولا مسؤول عند الإخفاق، بينما النجاح إن حصل فآباؤه كثر...!