اللافت في متابعة مسار المواجهة العسكرية للحرب على اليمن، والتي يخوضها تحالف من عشرات الدول الاقليمية والغربية، ان تلك الدول التي حددت وجزمت في بداية عملياتها العسكرية، ان حربها الخاطفة هذه، سوف تنتهي خلال أسابيع معدودة، بتحقيق أهدافها السهلة والبديهية، والتي هي إعادة الشرعية الى اليمن وتحجيم “المتمردين” الذين سيطروا على السلطة بغفلة من الأخيرة، هي اليوم (الدول المعتدية) تعيش كوابيس استهداف عواصمها ومواقع القوة والاقتصاد فيها، ويبدو ان شرعيتها هي في السلطة أصبحت مهددة، بعد ان عجزت عن حماية حدودها بداية، وعمقها الداخلي لاحقا، وعواصمها حالياً.
ربما كان منطقيا في البداية ان تعتقد تلك الدول ان معركتها على اليمن سهلة، حيث بدا أن كل شيء مخطط له بدقة وهو تحت السيطرة، كيف لا، والدول المشاركة هي دول معروفة بامتلاكها للقدرات العسكرية المتطورة، وللإمكانيات المادية الضخمة، كما انها تستفيد من دعم مفتوح تقدمه لها دول عظمى، في العتاد والسلاح والمعلومات الاستخبارية ومعطيات الرصد الجوي الدقيق، وفي الطرف الآخر، فإن المستهدف هو بلد ضعيف وفقير ومحدود الإمكانيات العسكرية والمادية.
لاحقاً، وبعد ان بدأت المعارك الهجومية البرية على اليمنيين تصعب، وبدأت وحدات التحالف ومرتزقته تتعثر في اغلب جبهات المواجهة، شرقاً في مارب والجوف، وغرباً في تعز والمخا والحديدة، وشمالاً في حرض وميدي وجبهات الحدود، اعتبرت وحدات العدوان وقادته وداعموه الغربيون ان السبب الأساس في هذا التعسر “المؤقت” هو ان جغرافية اليمن صعبة، وأبناءها متمرسون على القتال في ميادينهم، ويفهمون حركة الأرض والجغرافيا ويتعايشون معها ، ولكن هذا لن يطول.
تابع التحالف مكابرته معتبراً أن الصمود البري لن ينفع الجيش واللجان الشعبية اليمنية كثيراً، لأن فارق القدرات واضحٌ لمصلحة تحالف العدوان، ولا بد ان يُستنزف أبناء اليمن تباعاً، وسوف يستسلمون بين ليلة وضحاها، خاصة في ظل الضغط المرتفع عليهم في استهداف البنية التحتية والجسور والطرقات، بالإضافة إلى انهم لن يستطيعوا مقاومة الضغط الإنساني والعاطفي عليهم، من خلال استهداف عائلاتهم ونسائهم وأطفالهم، لذلك حتما سوف يرضخون طالبين التسوية، راضخين لشروط “التحالف” مهما كانت، المهم فقط وقف هذه الحرب عليهم.
في هذا الوقت، وبخبرة العالم والواثق والأكيد، حذر قادةُ اليمن تحالف العدوانَ من مغبة الاستمرار في حربه العبثية، وطالبوا دوله بوقف هذا الجنون والذهاب الى التفاوض والحل السياسي، وبالمقابل وعدوا قادة وجيوش تلك الدول بمفاجآت عسكرية وميدانية سوف تغير وجه المواجهة ومستواها، ولاحقا كشفوا النقاب عن صواريخ باليستية استراتيجية، كانوا قد طوروها بقدرات ذاتية لافتة، وادخلوها في المعركة مستهدفين عبرها، بالإضافة لمواقع ونقاط ميدانية حيوية داخل اليمن، أهدافا استراتيجية ما وراء الحدود، وصلوا بها الى ينبع على البحر الأحمر، والى الرياض وابو ظبي، بعد ان سيطروا بها على جميع المواقع العسكرية الحساسة في المحافظات السعودية الحدودية: نجران وعسير وجيزان.
من جهة أخرى، وفي الوقت الذي لم يستوعب فيه حتى الآن تحالف العدوان على اليمن صدمة الصواريخ الباليستية، وما زالت دوله تبحث عن الممرات السرية التي حصل اليمنيون عبرها على هذه القدرات الاستراتيجية الصاروخية، بعد ان صوبوا على ايران في تأمين ذلك، جاءتهم صدمة الطيران المسير أمس الأول، عبر طائرة ” صماد 3 ” دون طيار، والتي استهدفت بنجاح مطار ابو ظبي على مسافة تتجاوز 1300 كلم، وقبلها بأيام كانت صدمة “صماد 2 ” التي استهدفت شركة النفط السعودية “ارامكو” في العاصمة الرياض على مسافة تجاوزت الـ 1000 كلم.
انطلاقا من كل ذلك، هل يستوعب تحالف الدول المعتدية على اليمن ان هناك تغييرا في مسار المواجهة، بدأ يفرضه الجيش واللجان الشعبية اليمنية في هذه الحرب؟
وهل تسمح قدراتهم “المحدودة ” كما يبدو في التحليل والاستنتاج ان تعطيهم فكرة، ان تطوّر ميادين المواجهة معهم، من داخل الجبهات في اليمن، الى مواقعهم العسكرية في جبهات ما وراء الحدود مباشرة ، ثم الى نقاط القوة الاستراتيجية لديهم في المطارات وشركات النفط، ومؤخرا الى عواصمهم البعيدة والمحمية، هو مؤشر الى انتقال اليمنيين من معركة دفاعية محدودة الى هجوم معاكس مُرَكّز، بدأ يهدد نقاط القوة الاستراتييجة لديهم في الاقتصاد والمواصلات والترابط مع الخارج؟
هل لتحالف العدوان على اليمن القدرة على الاستنتاج أيضا ان مستوى هذه المواجهة تدحرج من اقليمي الى دولي، وان البقعة الأكثر استراتيجية في العالم باحتضانها المعابر المائية الحساسة دوليا ـ باب المندب ومضيق هرمز والبحر الأحمر مع امتداده شمالا الى قناة السويس ـ هي مهددة اليوم بالانفجار الواسع، الذي ربما يكون نواة لحرب عالمية شاملة؟
وأخيرا… هل يعلم هذا العدوان وداعموه الغربيون والاقليميون، ان هذا الجنون الواسع والخطر الداهم من نشوب حرب مدمرة شاملة، مفتاح حله بسيط وسهل وممكن، هو التعقل والتروي ووقف المكابرة والعودة الى التفاوض السياسي السلمي الذي يحفظ حقوق ويضبط التزامات كل الأطراف؟