تقرير:غازي المفلحي/ لا ميديا -
لاتزال أكبر عملية سطو يشهدها التاريخ الحديث جارية في فلسطين منذ عام 1948 وحتى اللحظة.
خلال 75 عاما تمكنت الحركة الصهيونية، وبدعم غربي، من تغليف 85% من جغرافيا فلسطين التاريخية بقشرة استيطانية عنصرية سمتها "إسرائيل".
ولتحقيق ذلك أُبيد وهُجِّر الفلسطينيون من قراهم ومدنهم، ونُهِبت ديارهم وغُيِّرت أسماء الأحياء والقرى والمدن وحتى الوديان والجبال، ثم دُمرت وطمست كثير من المعالم الإنسانية والتاريخية والحضارية الفلسطينية.
سرقة أجمل ما في فلسطين
منذ البدايات الأولى، سعت الحركة الصهيونية للظفر بسرقة كاملة ومتقنة لكل أرض فلسطين، واستبدال شعبها بكل تنوعه الإنساني والديني والثقافي، بوافدين معظمهم عصابات صهيونية عنصرية عدائية للآخر، بشكل ديني أو عرقي أو سياسي أو اقتصادي، أو كل ما سبق معاً.
لتحقيق ذلك عمد الاحتلال إلى نهب الأراضي الفلسطينية حسب سياسة كانت مساراتها احتلال أجود الأراضي الزراعية وأخصبها، والسيطرة على الموارد المائية والثروات الطبيعية والسواحل والموانئ، وتحويل الأراضي الفلسطينية إلى مواقع عسكرية، وخنق المناطق والتجمعات السكانية الفلسطينية، وتقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، وطمس المعالم الحضارية والثقافية التاريخية، وتدمير الآثار والكنوز الوطنية الفلسطينية، التي تحكي قصة إحدى أقدم الحضارات في العالم.
وها قد مضى نحو 145 عاماً على بداية تأسيس أول "مستوطنة" صهيونية وتغيير الأسماء العربية في فلسطين إلى تسميات عبرية تخدم الأهداف التي وضعتها الحركة الصهيونية في مشروعها.
كانت "مستوطنة بيتح تكفا" المقامة في أراضي قرية ملبّس بقضاء حيفا، عام 1878، زمن الاحتلال العثماني لفلسطين، هي أول "مستوطنة صهيونية" في فلسطين.
وترجمة "بيتح تكفا" بالعبرية تعني "مفتاح الأمل"، ومن اسمها تتبين النية الكاملة في احتلال فلسطين من حينها.
وتحملت منظمة "أحباء صهيون" مسؤولية إنشاء 20 مستوطنة يهودية جديدة في فلسطين بين عامي 1870 و1897، ثم أُعلن عن قيام الحركة الصهيونية رسمياً التي أسسها اليهودي النمساوي ثيودور هرتزل في أوروبا في عام 1897.
سَرِقة القرن
لم يمر عام 1950 إلا وقد سيطر الاحتلال الصهيوني بشكل كامل على الأملاك المنقولة وغير المنقولة لما يقارب ثلاث أرباع سكان فلسطين.
ووفقا للمؤرخ الأمريكي مايكل فيشباخ، الذي ألف كتاب "سجلات السلب.. أملاك اللاجئين الفلسطينيين"، فقد صادر الاحتلال ذلك العام، 5 آلاف كيلومتر مربع من مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كيلومتر مربع، و55 ألف منزل وشقة، وحوالي 8 آلاف شركة ومتجر من أملاك الفلسطينيين.
من حينها سخرت الحركة الصهيونية كل الإمكانيات والتلفيقات لسرقة المزيد ولفرض واقع استيطاني على الأراضي الفلسطينية.
اليوم، وبعد 75 عاما من السطو الصهيوني المسلح على فلسطين، أصبح الصهاينة أغلبيّة في فلسطين ويحتلون أغلب مساحتها.
وبحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن الكيان الصهيوني وغاصبيه يحتلون ويستغلون حاليا منافع 85% من الأراضي الفلسطينية.
وتشير البيانات إلى أن إجمالي عدد الفلسطينيين في عام 2021 بلغ حوالي 14 مليون نسمة، نصفهم فقط، أي 7 ملايين يعيشون في فلسطين التاريخية (1.7 مليون في مناطق 1948، و3.2 مليون في الضفة الغربية والقدس، و2.1 مليون في قطاع غزة المحاصر)، أما الـ7 ملايين الباقون فيعيشون في الشتات حول العالم.
لصوص الأرض والأسماء
مضى خط الاحتلال الصهيوني للمناطق الفلسطينية الغنية بالثروات والمواقع الجغرافية المهمة، جنبا إلى جنب مع خط احتلال المناطق الغنية بالآثار الفلسطينية التاريخية، ولم يفوت الصهاينة حتى احتلال قبر أو ضريح أو مقام لشخصية تاريخية فلسطينية.
ونجحت الحركة الصهيونية منذ عام 1878 في "عَبْرَنَة" أكثر من 8 آلاف اسم لمواقع فلسطينية، منها أكثر من 6 آلاف موقع جغرافي، وعدة مئات من الأسماء التاريخية، وأكثر من ألف اسم للمستعمرات، حسب كتاب "المواقع الجغرافيّة في فلسطين: الأسماء العربية والتسميات العبرية" للمؤرخ الفلسطيني شكري عرّاف.
كيف أصبح للعدو عاصمة؟!
بين عامي 1909 و1910، كان هناك حي في مدينة يافا الفلسطينية اسمه "تل الربيع"، ترجمته بالعبرية تعني "تل أبيب" يعيش فيه اليهود، وذلك زمن الاستعمار العثماني لفلسطين.
خلال الفترة من عام 1910 وحتى عام 1947، ضخم الأغنياء والتجار اليهود المنتمون إلى الحركة الصهيونية، وبتسهيل من سلطات الاحتلال البريطاني، هذا الحي ليتحول إلى مدينة التهمت يافا الفلسطينية وحولتها إلى حيٍّ هامشيٍّ في "تل أبيب" الحي الذي تحول إلى مدينة.
عام 1948، والأعوام القليلة التي قبله، بدأ الاحتلال الاقتصادي والاجتماعي الصهيوني يتحول إلى احتلال عسكري دموي بشكل رسمي، وهاجمت القوات الصهيونية سكان يافا وقراها وكان عددهم أكثر من 100 ألف نسمة، وبسبب مذابح الصهاينة استشهد قسم كبير منهم بالقتل، أو غرقاً وهم يحاولون عبور البحر.
هذا ملخص عن عاصمة العدو الصهيوني "تل أبيب" وضواحيها، والمقامة اليوم على أراضي يافا وقراها.
أما بقية المدن التي يحتلها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس والتي احتلها في عامي 1948 و1967، فقد قتلت العصابات الصهيونية وهجرت أكثر من مليون من سكانها، وأصبحت تحتلها اليوم بشكل كامل أو شبه كامل، ومنها: الضفة الغربية والقدس، والتي أقام الاحتلال فيها أكثر من 176 مستوطنة معظمها على أنقاض معالم فلسطين تاريخية، 41 مستوطنة منها في القدس، و32 مستوطنة في الخليل.
أما مدن الداخل الفلسطيني المحتل فقد سيطر عليها الاحتلال بشكل كامل عام 1948 وغير معالمها وأسماءها، منها عكا التي سميت "عكو"، وبئر السبع التي سميت "بئير شيفع"، وعسقلان التي سميت "أشكلون"، وأم الرشراش التي سميت "إيلات" والجليل واللد والرملة، وغيرها من المدن.