اليوم دخل الصراع في فلسطين المحتلة، وعموم المنطقة، مرحلة جديدة، تلغي أي احتمال لأي اتفاق أو تسوية، وتفتح الأبواب على مسار واحد فقط وهو التصعيد.
في يوم واحد، يفتح الكيان الصهيوني، ومعه الأمريكي، هذه المرة أبواب الجحيم، في ثلاثة ميادين مشتبكة معه دفعة واحدة.
ضرب في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث معقل المقاومة اللبنانية، مستهدفاً أحد قادتها، وتلاه استهداف أمريكي، وربما «إسرائيلي»، للحشد الشعبي العراقي، في منطقة جرف النصر، شمال بابل، لتأتي الضربة الأكبر والأخطر، باغتيال قائد حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران، وبعد ساعات قليلة، من أداء الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان مراسيم تنصيبه.
تضاف هذه الاعتداءات، إلى محاولة حكومة نتنياهو، القيام بلعبة قذرة، في ضرب بلدة مجدل شمس، في الجولان السوري المحتل، بهدف تأجيج الأوضاع القلقة في الجنوب السوري، وضد المقاومة اللبنانية، لكن وعي أهالي البلدة والجولان، وشيوخ العقل في السويداء، سرعان ما كشف المحاولة «الإسرائيلية» وأسقطها، وقبل مجدل شمس، الاعتداء على ميناء الحديدة اليمني، والذي لايزال ثأره الموعود، من قيادة المقاومة اليمنية مفتوحاً.
أما سورية، التي تشكل في خريطة الصراع، النقيض الوجودي للكيان، فحسابها مفتوح معه، قبل وبعد «طوفان الأقصى»، ومنذ وعد بلفور وسايكس بيكو، ولن يغلق، حتى اقتلاع هذا الكيان، من الجزء الجنوبي لسورية.
هذه الاعتداءات، تفتح تساؤلات كثيرة، حول شكلها وزمانها ومكانها، والكل يعرف تحذير بن غوريون، والقادة المؤسسين للكيان الصهيوني، بأن «إسرائيل» لا تتحمل خسارة حرب واحدة، لأن أي خسارة، تعني نهايتها، واليوم أكثر من يتحدث عن المأزق الوجودي، للكيان الصهيوني، هو الإعلام، والنخب السياسية، والعسكرية، الإسرائيلية.
أول هذه التساؤلات، حول توسيع الاعتداءات «الإسرائيلية»، لتشمل كافة ساحات المواجهة والإسناد، رغم إدراكهم لمعادلة المقاومة، تل أبيب مقابل بيروت، والميناء مقابل الميناء، والمطار مقابل المطار، وهذا يعني أنهم يعرفون أن رد المقاومة اللبنانية مؤكد، وسيطال «تل أبيب» وأماكن أخرى في العمق «الإسرائيلي».
والسؤال الأهم، عن أسباب اختيار العاصمة الإيرانية طهران، لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، فيما كان بإمكان «الإسرائيليين» استهدافه في العاصمة القطرية الدوحة، المستباحة من الموساد «الإسرائيلي»، وفي أماكن أخرى عديدة، وبأقل قدر من الضجيج، وردود الفعل، ومخاطر الرد.
الجنون «الإسرائيلي»، والعبث بالخطوط الحمراء، بالتأكيد لم يكن عبثاً، ولا صدفة، وإنما يقف وراءه، شعور حقيقي بالخطر الوجودي، وانسداد الأفق، أمام أي أمل بالخلاص، والذي بات يسيطر على قادة الكيان الصهيوني، ويفرض عليهم التفكير بشكل آخر.
يبدو واضحا أن نتنياهو، وحكومته وقادة الكيان، باتوا يشعرون أن الأمل الوحيد المتبقي أمامهم، هو في جر الولايات المتحدة الأمريكية، للانخراط المباشر في القتال معهم، على كل الجبهات، رغم ما في هذا الخيار، من خطر حقيقي على الوجود الأمريكي، في منطقة غرب آسيا، التي تعتبر المؤشر على صعود وانهيار الإمبراطوريات، والدول العظمى، خاصة وأن الولايات المتحدة، باتت تعيش أزمة، لا تقل صعوبة عن الأزمة «الإسرائيلية» بعد فشل حشدها البحري في البحر الأحمر، والضربات الموجعة التي تلقاها هذا الحشد، من اليمن المقاوم إضافة إلى أن هذا الانخراط، غير مضمون النتائج، ويجر الولايات المتحدة، إلى مصيدة، تتوق إليها روسيا والصين، إضافة إلى أنه يفتح المجال أمام انزلاق العالم نحو مواجهة غير مضمونة النتائج، وهو ما يبدو أن الكيان الصهيوني يسعى إليه.
تشير نتائج زيارة نتنياهو لواشنطن، الى أنه وجد آذاناً صاغية في مواقع صنع القرار الأمريكي، وخاصة العسكري منه، وأن الرؤوس الحامية في «تل أبيب» وواشنطن، بات لها الكلمة العليا وهي تريد أن تحسم خياراتها، قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو ما تأكد من انتقال الموقف الأمريكي، من النأي بالنفس عن أي تصعيد «إسرائيلي»، والضغط على حكومة نتنياهو، لمنعه من فتح جبهات جديدة، إلى تبني العمليات «الإسرائيلية» في بيروت وطهران، ومسؤوليتها عن الهجوم على موقع جرف النصر في العراق، وهذا يعني الشراكة الأمريكية، في تنفيذ هذه الاعتداءات، ونجاح نتنياهو في تحقيق أهدافه، بجر الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانخراط أكثر في هذه الحرب، وهو ما ظهر في تأكيد واشنطن علمها بالعمليات «الإسرائيلية»، وتأكيد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستساعد «إسرائيل»، إذا تعرضت لهجوم.
واضح أن هذه التطورات الجديدة، فيها تغيير لقواعد الاشتباك، وتجاوز للخطوط الحمراء، التي كانت تتحكم بمسارات المواجهة، منذ عملية «طوفان الأقصى»، حتى تنفيذ الاعتداءات «الإسرائيلية» الجديدة، في بيروت، وطهران، وجرف النصر في العراق، وقبلها مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وميناء الحديدة في اليمن، وبعد نجاح حكومة نتنياهو، في جر الإدارة الأمريكية، إلى مزيد من التورط معها، في القتال.
فالشعور «الإسرائيلي» بالخطر الوجودي، وبانسداد الأفق، أمام أي أمل، بات يتحكم بالذهنية «الإسرائيلية» وسلوك قيادتها، ونظرتها إلى الصراع، وهو ما أخذها إلى محاولة وضع العالم أمام معادلة جديدة تقول «أمن العالم مقابل أمن إسرائيل».
إنها عقيدة شمشون، التي تقول «بهدم الهيكل على الجميع» على مبدأ «علي وعلى أعدائي»، ويبدو أن قادة الكيان باتوا مقتنعين أنها خلاصهم الوحيد، لكن مشكلتهم مع هذا الخيار الجنوني أنه يعني موت كيانهم.. وبداية حياة أمن وسلام ونهضة لكل دول وشعوب المنطقة.
تعليقات:
قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي: