محمد الوهباني / لا ميديا -
اعتادت الشعوب أن تأتي حكومات وتذهب أخرى، كما اعتادت الأنظمة أن تقيل حكومة وتأتي بأخرى، تحت ذرائع ومسوغات مختلفة. وطول عمر هذه الحكومة أو تلك يحكمه ربما قدرتها على تنفيذ إرادة النظام، وتحقيق أهدافه القريبة والبعيدة. وربما ما يتحكم بعمر الحكومة هو قدرتها على التناغم مع صاحب القرار الأعلی، سواء كان فردا أو حزبا أو جماعة.
ولعل مسألة التوازنات القائمة على محاصصات، والتقاسم بين القوی الفاعلة في اتخاذ القرار، هي ما يطول أو يقصر عمر الحكومة.
في بعض الدول يرتبط عمر الحكومة بالدورة الانتخابية، أربع سنوات أو ثمان، لأنها تتغير مع كل انتخابات، أياً كانت أسباب إقالة هذه الحكومة أو تلك. إلا أن الإقالة في أحيان كثيرة لا علاقة له بإخفاقات لها صلة بالناس ومصالحهم، فقد تكون أحيانا لكسر الروتين، وتغييرا شكليا للمشهد.
بعيداً عن هذه الإشكاليات وفي عمق التغيير ندرك أن تعيين حكومة جديدة يعني فشل سابقتها، ووضع الثقة في حكومة جديدة هو أمل شعب يعاني ظروفا معيشية قاسية فرضتها أحداث وحصار وحرب إقليمية علی بلد أراد أن يكون له خيارته المغايرة لخيارات إقليم خاضع بالقوّة للغرب.
هذا الشعب الصبور منذ زمن بعيد، والصامد مع خياراته وحقه بانتزاع قراره السيادي، هو بالتأكيد يراقب أداء الحكومات ويقيس قربها أو بعدها عن الأهداف، ويدرك ظروف الحرب، لكنه يدرك أن انتهازية البعض هي سبب بعض الإخفاقات.
تبقی التحديات أمام الحكومة القادمة هي مصالح الناس، والتخفيف من قسوة الظروف، والبحث عن حلول لانقطاع الرواتب، وليس التعويل فقط علی اتفاق سياسي ينتج راتباً من الآخر. هذا الخيار قائم، لكن علی الحكومة خلق خيارات بديلة، والحد من الفساد القائم علی استغلال المنصب.
إن الشعب الصابر والواقف خلف خيارات قيادته ينبغي علی الحكومة أن تخفف معاناته، وأن الإرادة السياسية التي تحمل همّ أمة وقضيتها وتحرير الأرض المقدسة هي جديرة بأن تحمل همّ شعب، والعمل علی خدمته وتذليل الصعاب وتوفير حياة كريمة تليق بصموده الأسطوري في وجه الاستكبار. وأبسط ما ينبغي هو الحد الكلي من الفساد المستشري، أيا كان مصدره، وعدم التهاون مع من ينتهج المحسوبية والشللية والانتهازية واستغلال المصالح العامة وإدارة الدولة بطريقة توزيع الهبات لشراء الولاءات بدلا من نشر العدل لكسب القلوب، وتطبيق القانون مكافأة للشعب الصامد وراء قيادة سياسية فرضت حضورها في قلوب الناس بنبل أهدافها. فعلی الحكومة ألا تمارس الخيانة للشعب، وللقيادة السياسية في آن معا.
تلقی الناس قرار تغيير الحكومة بتفاؤل واسع، إدراكا منهم أن الوقت قد حان لتغيير يعصف بانتهازية البعض، وجهل البعض الآخر، وإدارة البلد علی أساس العدل، وإيمانا منهم بأن الوقت هو الأنسب لتغيير جذري، إثباتا أن الشان الداخلي ومصالح الناس لا يقل أهمية عن المواجهة الكبری مع دول الاستكبار.