إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تركز التغيير الظاهر، في تشكيل الحكومة الجديدة، بصورة رئيسة، في تغيير الهيكل الحكومي لتوصيف الحقائب الوزارية وعدد هذه الحقائب. هذا أمر جيد لا يخلو من الملاحظات أيضا.
صحيح التغيير شمل شخوص عدد من شاغلي الحقائب الوزارية، لكن معايير الاختيار لم تتغير كثيرا، كما أن توزيعهم الجغرافي على محافظات الجمهورية، وغير ذلك، ظل محدودا بالمحصلة.
جاء تغيير هيكل الحكومة الجديدة، مُلبيا لمطالب قديمة متجددة، بإعادة النظر في توصيف الحقائب الوزارية وتعددها على نحو مرهق للمالية العامة، وماحق لمحصلة الوظيفة الحكومية إجمالا.
كانت هياكل الحكومات السابقة، جزءا من المشكلة جراء ازدواج الاختصاصات وتعويم المسؤولية والتواكلية بين جهات عدة تلتقي في ذات القطاع على حساب تدهور خدمات مختلف القطاعات برمتها.
ظل تشكيل الحكومات يفرخ وزارات لتوفير مناصب محاصصة. وكان الأمر يتطلب بداهة، دمج وزارات عدة تلتقي في ذات مجالات العمل، والاستعاضة عنها بقطاعات إدارية تخصصية داخل الوزارة.
بقي هذا الإجراء متاحا لعشرات السنين، في مجالات التعليم، الطاقة، الدفاع، الثقافة والإعلام والسياحة، الثروات النفطية والمعدنية والمائية والسمكية والحيوانية والزراعية... إلخ الثروات والموارد الطبيعية.
تشكيل الحكومة الجديدة بدأ بهذا الإصلاح، وضم هيكل هذه الحكومة بجانب رئيس وثلاثة نواب 19 حقيبة وزارية، بدلا عن رئيس و6 نواب و 38 حقيبة في "حكومة الإنقاذ".
اعتمد تقليص عدد الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة: الدمج والاستغناء والإلغاء والإبقاء، ليس فقط لعدد من شاغلي حقائب وزارية، بل ولإدماج قائم لعدد من قطاعات العمل في حقائب وزارية.
أبقى التشكيل الحكومي الجديد على إدماج "وزارة النفط والمعادن"، "الشباب والرياضة"، و"الاتصالات وتقنية المعلومات". وعَمَد إلى دمج وزارات أخرى، وإلى إعادة دمج وزارات، كانت دُمجت بحكومات سابقة.
برز التغيير الهيكلي للحكومة الجديدة أكثر، في دمج وزارات: "التربية والتعليم"، و"التعليم الفني والتدريب المهني"، و"التعليم العالي والبحث العلمي"، في وزارة واحدة "وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي".
هذا إجراء وجيه وصائب، إذ إن القطاع الخدمي واحد، هو التعليم بمستوياته، ويمكن إداريا أن تُنشأ في الوزارة قطاعات إدارية تخصصية: التعليم العام، التعليم المهني، التعليم العالي، البحث العلمي.
وجرى دمج "وزارة العدل" و"وزارة حقوق الإنسان"، في "وزارة العدل وحقوق الإنسان". مع أن العدل أعم وأشمل لما يسمى "حقوق الإنسان"، فالأخيرة بصفتها المعاصرة ومضامينها، بدعة غربية ناتجة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمكفولة في شريعة الإسلام سلفا، وكان استحداث وزارة لها مجاراة لدول الوصاية "المانحة"!
أعاد التشكيل الحكومي دمج وزارتي "الخارجية" و"شؤون المغتربين"، في "وزارة الخارجية والمغتربين". وهو إجراء أيضا وجيه لالتقاء الوزارتين في قطاع العمل نفسه: العلاقات السياسية الخارجية وعلاقات التعاون الدولي، والبعثات الدبلوماسية لليمن حول العالم، وبطبيعة الحال، مهمة رعاية شؤون اليمنيين المغتربين في دول العالم.
كما جرت إعادة دمج وزارتي "الكهرباء" و"المياه"، مع إضافة "الطاقة". وبتجاوز عمومية "الطاقة" واشتمالها الكهرباء، فإن مسمى "وزارة الكهرباء والطاقة والمياه" يفترض أنها ستكون وزارة معنية بإنتاج مختلف أنواع الطاقة البديلة بجانب الطاقة المعتمدة على المحروقات، وتوفير خدمتي الكهرباء والمياه، للشرب والغسل والري (الزراعة).
كذلك أعاد دمج وزارتي "الثقافة" و"السياحة"، لكنه أبقى "الإعلام" وزارة قائمة بذاتها، رغم التقاء الإعلام والثقافة في ذات قطاع العمل والوظائف والأهداف. بينما "السياحة" إن لم تكن مع "التراث والآثار" وزارة مستقلة، فإنها تلتقي أكثر مع قطاعي النقل والأشغال العامة، اللذين جرى دمجهما في وزارة، وإلغاء "الطرق" دون إعادة الإسكان!
وأعاد التشكيل إلحاق "وزارة الإدارة المحلية" بنائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء، مع تغيير اسمها إلى "وزارة الإدارة والتنمية المحلية والريفية"، رغم اللبس واللغط اللذين تثيرهما التسمية، فهي تعني أنها وزارة للإدارة، وللتنمية. ولا يتضح الفرق بين المحلية والريفية. فكلاهما تنمية لليمن. وكان الأحرى أن تسمى "وزارة المجالس المحلية" وكفى!
أيضا جرى فصل قطاع "البيئة" عن قطاع "المياه"، لعمومية "البيئة" واشتمالها المناخ والهواء والماء، والنظافة... إلخ مفردات قطاع البيئة، الذي أُلحق ودمج مع قطاع "الصحة"، في "وزارة الصحة والبيئة". وهو إجراء منطقي جدا، لالتقاء القطاعين في وظيفة السلامة العامة وتقاطعهما في اختصصات ومهام، الوقاية والمعالجة والمكافحة.
لكن تشكيل الحكومة الجديدة، أغفل الازدواج القائم في هياكل الحكومات المتعاقبة بين "وزارة الخدمة المدنية" و"وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل"، وأبقى على الأخيرة مستقلة وقائمة بذاتها، في وقت كان يمكن دمج الوزارتين في "وزارة العمل والتدريب أو الإعانة"، تضم قطاعات العمل: العام، المختلط، الخاص، والضمان الاجتماعي.
كذلك أبقى التشكيل الحكومي على دمج "وزارة النفط والمعادن"، وأعاد دمج "وزارة الزراعة" و"وزارة الثروة السمكية" مع إلحاق "الموارد المائية" بدلا عن "الري". وكان يمكن دمج جميع الوزارات ذات العلاقة بالموارد الطبيعية في "وزارة الثروات والموارد"، وتضم قطاعات الثروات: النفطية، المعدنية، المائية، الزراعية، السمكية، الحيوانية... إلخ.
في المقابل، ألغى التشكيل وزارات: التخطيط والتعاون الدولي، التعليم الفني والتدريب المهني، التعليم العالي، الشؤون القانونية، شؤون مجلسي النواب والشورى، الإرشاد وشؤون الحج والعمرة، وزارة شؤون مخرجات الحوار والمصالحة الوطنية، وباستثناء وزارتي التعليم الفني والعالي، لم يتضمن التشكيل ما يوحي بنقل مهام الوزارات الملغاة!
وبرز الاستغناء، في إلغاء "وزارة الأوقاف والإرشاد" بعد إنشاء "الهيئة العامة للأوقاف"، والاستغناء عن "وزارة التخطيط والتعاون الدولي" بعد إنشاء "المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية والتخطيط والتعاون الدولي"، رغم أن الأخير معني بتنسيق الشؤون الإنسانية للمتضررين من الحرب ومساعدات الإغاثة الدولية، لا التخطيط!
لكن استغناء التشكيل الحكومي عن وظيفة "التعاون الدولي" باعتبارها مهمة "الخارجية"؛ قابله الاستغناء عن وظيفة "التخطيط"، بما تعنيه من مهام رئيسة، تجعلها أولى وظائف الإدارة أكان على مستوى الأفراد أو المنشآت والشركات أو الحكومات، دون تضمين التشكيل الحكومي ما يوحي بالجهة التي ستتولى هذه الوظيفة الأساسية!
ولوحظ إلغاء "التجارة" في منحى ليبرالي رأسمالي، باتجاه فرض "السوق الحرة" وإخضاع توافر السلع وأسعارها لقانون "العرض والطلب". ما يثير حفيظة المتابعين، خصوصا في ظل حالة الحرب والأوضاع المعيشية الناجمة عن العدوان والحصار، وانعكاساتها الكارثية على أحوال قرابة 20 مليونا من المواطنين في مناطق الحكومة!
جرى تغيير مسمى "وزارة الصناعة والتجارة" إلى "وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار". مع أنه كان يمكن الاكتفاء باسم "وزارة الاقتصاد" فهو أعم وأشمل للصناعة والتجارة والاستثمار، وأيضا "المالية" التي ظلت وزارة قائمة بذاتها. ما يشي باحتمالات تعارض في الاختصاصات وإن على الصعيد النظري التشريعي وتبعا الإداري!
وكما غابت وظيفة "الإسكان" عن التشكيل بما تعنيه من مهام تخطيط المدن السكنية وتوفير المساكن؛ ألغى التشكيل "التأمينات" من اسم -وتبعا عمل واختصاص- "وزارة الخدمة المدنية"! واستحدث مسمى ملحقا للوزارة هو "التطوير الوظيفي"، ما يفترض تجاوز مهمة التوظيف إلى تقييم الأداء وتحديث نظم العمل وتدريب الموظفين.
عدا هذا، لوحظ في تشكيل الحكومة الجديدة، أن مفهوم التغيير، لم يمتد إلى تغيير معايير شغل الوظيفة العامة، ولم ينتقل إلى اعتماد معايير الكفاءة العلمية (التخصص) والدراية العملية (الخبرة)، والمهارة المهنية (القدرة)، بجانب المعايير التقليدية: الأهلية، الرؤية، الثقة، الأمانة، النزاهة. لهذا لم يكن معظم وزراء الحكومة، هم الأكفاء!
مع ذلك، يبقى الثابت، أن كل ما سلف من ملاحظات، هي على ما يظهر لنا ولعامة الناس من إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، ونأمل إيضاح ما تحيرنا فيه، وكشف ما غاب عنا، وإظهار ما فاتنا. أما النتيجة، فهذا التشكيل لا يلغي أن هذه الحكومة مهمتها الرئيسة إحداث "تغيير جذري" إلى الأفضل المنشود.