رغم تصاعد العدوان الأميركي - البريطاني على سواحل مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى أعلى المستويات، إلا أن تلك الغارات لم تحيّد عمليات قوات صنعاء البحرية. لا بل على العكس، كثّفت الأخيرة عملياتها في البحر الأحمر وخليج عدن، وفق تأكيد التقارير اليومية الصادرة عن القيادة المركزية الأميركية، والتي كشفت عن تركّز هجمات القوات اليمنية على البوارج والمدمّرات الأميركية والبريطانية. وأكّدت مصادر عسكرية مطّلعة في صنعاء، لـ«الأخبار»، أن العمليات الأخيرة التي تتعرّض لها البحريتان الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن، جاءت في أعقاب مزاعم وزارة الدفاع الأميركية عن استهداف 100 صاروخ ومنصة إطلاق للطائرات المُسيّرة في اليمن. وأشارت المصادر إلى أن «هناك مبالغة أميركية في عرض نتائج عمليات واشنطن». وفي الوقت نفسه، شيّعت القوات المسلحة اليمنية، أول من أمس، 17 من منتسبيها كانوا استشهدوا في الغارات الأميركية والبريطانية، متوعّدة في بيان بالانتقام لهؤلاء.وفي ظل ارتفاع حالة الاستنفار في أوساط تلك القوات التي تستعد للرد على التصعيد الأميركي - البريطاني الأخير، أكّد نائب وزير خارجية صنعاء، حسين العزي، في منشور على منصة «إكس»، أن «الوضع مرشّح للانفجار على نطاق واسع. وفي حال انفجار البركان، لن يتوقف إلا بإنهاء عسكرة البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن». ولكن في موازاة التصعيد والتهديد، لا تزال واشنطن تقدّم العرض تلو الآخر لليمنيين للتهدئة. وفي هذا السياق، عرض السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، على صنعاء وقف الهجمات في البحر الأحمر، مقابل التراجع عن قرار تصنيف الحركة على لائحة الإرهاب. ووفقاً لمصادر سياسية مطّلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن صنعاء لم تعر هذا العرض، الذي يُعد الثاني في غضون أيام، أي اهتمام. وسعت إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لمواجهة كل التداعيات المحتملة، نتيجة دخول القرار الأميركي حيز التنفيذ في 16 من الشهر الجاري.
وجاء العرض المذكور في أعقاب تهديدات أطلقها المبعوث الأميركي لدى اليمن، تيم ليندركينغ، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، باتخاذ إجراءات جديدة تمكّن واشنطن من السيطرة على الوضع في البحر الأحمر، وتلويحه بإفشال مسار السلام في البلاد ما لم تتوقّف الهجمات اليمنية.
صنعاء تتحرّك دبلوماسياً باتجاه روسيا وإيران، فضلاً عن التواصل مع الصين ودول عربية
وواجهت صنعاء مساعي واشنطن لتقويض هذا المسار، بحراك دبلوماسي مواز قام به وفدها المفاوض، إلى روسيا وإيران، فضلاً عن التواصل مع الصين ومع دول عربية. وكمؤشر إلى وجود توافق بين السعودية وحركة «أنصار الله» بشأن عملية السلام، أجرت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، حواراً مع رئيس وفد صنعاء، محمد عبد السلام ، نشرته الخميس الماضي، أكّد فيه الأخير أن «مفاوضات السلام مع الإخوة السعوديين تسير بشكل جيد»، مشيراً إلى أن «صنعاء تتبادل وجهات النظر مع المجتمع الدولي برعاية سلطنة عمان بخصوص الأحداث في البحر الأحمر». وأثار الحوار الذي تناولته وسائل إعلام سعودية، مخاوف «المجلس الرئاسي» الموالي لـ«التحالف»، والحكومة التابعة له، من انقلاب الرياض عليهما، ولا سيما أن موقف الرياض من العمليات اليمنية ضد الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر كان أقرب إلى صنعاء، فيما يعتبر «المجلس الرئاسي» تلك العمليات «تهديداً خطيراً للملاحة الدولية»، ووصفتها حكومته بـ«الإرهابية»، وتعمّدت تحريض المجتمع الدولي ضد «أنصار الله» على خلفيتها.
وجاء هذا في أعقاب رفض الرياض مطالب أميركية بتمويل العمليات العسكرية التي تعتزم الحكومة في عدن تنفيذها بدعم وشراكة أميركييْن، على رغم قرار الحكومة السعودية، أمس، دعم موازنة حكومة عدن بمبلغ 250 مليون دولار. ويؤكد الموقف السعودي الرافض للتصعيد في البحر الأحمر وفي محافظة الحديدة، رغبة الرياض بالخروج من الحرب في اليمن. وأكّدت مصادر سياسية مقرّبة من حركة «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، أن «الموقف السعودي من السلام في اليمن لا يزال إيجابياً، ويشجّع على المضي في التوقيع على اتفاق خارطة الطريق الأممية التي وافقت عليها الأطراف اليمنية أواخر كانون الأول الفائت». وأشارت إلى أن «التفاهمات التي تمّت بين صنعاء والرياض خلال اللقاءات المباشرة التي جرت العام الماضي لا تزال مستمرة»، وقلّلت من المخاطر التي سوف يشكّلها التصنيف الأميركي للحركة على عملية السلام، مؤكدة أن واشنطن «لم تكن وسيط سلام، حتى تعرقل مسار السلام».
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن «صنعاء تتخاطب بهذا الشأن مع السعودية باعتبارها قائدة التحالف وصاحبة القرار على الحكومة الموالية له، وإن التواصل بين الطرفين لم يتوقف ولا يزال نشطاً، وهناك تفاهم سعودي - يمني على ضرورة وقف إطلاق النار والشروع في تنفيذ بنود خارطة السلام، وعلى رأسها صرف مرتّبات موظفي الدولة، مقابل إعادة إنتاج وتصدير النفط، وكذلك استئناف المفاوضات حول ملف الأسرى والمعتقلين، وفتح الطرقات بين المحافظات، والمطارات والموانئ».
وكانت الرياض قد أكدت أن عمليات صنعاء في البحر الأحمر مرتبطة ارتباطاً كلياً بما يجري في قطاع غزة، وقالت شركة «أرامكو»، عملاق النفط السعودي، قبل أيام، إن صادرات المملكة لم تتضرّر جراء أحداث البحر الأحمر، وهو ما ينسف الرواية الأميركية التي تدّعي أن عمليات صنعاء تهدّد الملاحة الدولية.
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية