لا أحد يستطيع أن يشل حركتك، ويمنع عنك ما تحتاجه لبناء واقعك في الحاضر والمستقبل، لأن الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض وقدر فيها أقواتها بما يلبي احتياجات جميع سكانها، هكذا تعلمنا الثقافة القرآنية، وتضع بين أيدينا الحقائق الدامغة عن الكون والحياة والإنسان، وتعرفنا على السنن الربانية التي تحكم الوجود كله، فكل شيء يسير بنظام، ما عدا الإنسان، فهو أكثر المخلوقات ظلماً لنفسه وأخيه الإنسان والمخلوقات والكائنات والطبيعة من حوله، وهو الوحيد الذي متى ما فسدت سريرته، ومُسخت فطرته؛ اتجه لإفساد كل شيء في الحياة، ومَن يطلع على تاريخ الأمم والشعوب؛ سيجد أن ما فعله الطغاة والظالمون والبغاة المجرمون المفسدون في الأرض عبر العصور كان ولايزال أكثر وحشية وفظاعة مما تفعله الحيوانات المفترسة سواءً ببعضها البعض أو بالإنسان.
ولكنه متى ما لزم الهدى، وتسلح بالوعي والبصيرة، وحافظ على سلامته الداخلية، وتحرك وفق ما أراده الله منه، مطلقاً العنان لفكره في النظر والدرس والتأمل لكل ما في الأنفس والآفاق، عاملاً بالقسط بين الناس؛ سما وعز وساد وارتقى وتقدم وأمن، وحاز كل ما من شأنه أن يحييه الحياة الطيبة بكل معانيها وأبعادها، حتى وإن تكالب عليه المفسدون في الأرض من ظالمين ومستكبرين فإنهم لن يقدروا على فعل شيء يمكنه أن يفسد عليه حياته، ويمنع عنه رزقه، ويحد من سبل وإمكانيات نهوضه وتقدمه، لأن خزائن السماوات والأرض بيد الله سبحانه وتعالى وحده، ولأن مَن يقف من المؤمنين بالله موقف العداء؛ سيبقى عاجزاً ضعيفاً قاصراً مهما امتلك من عوامل القوة والضغط والنفوذ والسيطرة؛ لأنه داخلٌ في مواجهة مباشرة مع الله، ومَن ذا الذي يستطيع أن يكون نداً لله مالك أمره، ومن بيده ناصيته، وله خضوعه طوعاً وكرهاً؟!
وإذن فكل ضائقة أو نكبة أو مصيبة قد تقع على المؤمنين في أي مكان أو زمان؛ فإنما هي نتيجة طبيعية لتقصيرهم، ومجانبتهم للهدى، وميلهم عن سواء السبيل، ونسيانهم لله، إذ إن التفريط بكل مجالاته هو العامل الذي يمنح الأعداء القدرة على تحقيق أهدافهم والوصول إلى بغيتهم على كل المستويات، وهكذا نعرف أن كل أزمات ومشكلات وأوضاع وحالات الأمة المأساوية المزرية؛ ليست بسبب وجود الأعداء والمستكبرين، فهؤلاء ما كان لهم أن يفعلوا شيئاً لولا حبل التفريط الذي يمده إليهم بعض المحسوبين على جبهة الحق، كلما أفسدوا وظلموا وبغوا وتعدوا على إخوانهم في الداخل، وباتوا أشداء على المؤمنين رحماء بالمرتزقة والخونة والمنافقين، كما يقول الأستاذ والصديق العزيز المظلوم شرف حجر.
* نقلا عن : لا ميديا