الحضور الشعبي الأسبوعي في الساحات اليمنية لدعم القضية الفلسطينية ودعم القيادة الثورية والجيش اليمني، وما نتج عنه من إعلان التنسيق بين المقاومة الفلسطينية والقيادة اليمنية، دليل جديد وواضح على أن معركة البحر الأحمر مرتبطة ارتباطا كليا وتاماً بما يحدث في غزة، فإذا توقفت الحرب والحصار على غزة توقفت عمليات البحر الأحمر، وهذا الإعلان يكسر قاعدة أمريكا التي تريد فصل المعركة وتجزئتها.
صحيح أننا نختلف على كل شيء؛ لكن في الأول والأخير هناك شيء اسمه سبيل الله والمصالح العليا للوطن وللأمة، تتحدد في الموقف من مقاومة العدو الصهيوني، الموقف المقاوم للوجود الصهيوني على الأراضي العربية والإسلامية، وحماية الحقوق التاريخية لوحدة الجغرافيا والأرض اليمنية، وحماية وحدة الصف الوطني بين جميع أفراد الشعب اليمني، بغض النظر عن انتماءاتهم المناطقية والاجتماعية والطبقية والمذهبية والجهوية، ومن يرعى هذه المصالح ويدافع عنها فقد أدى أمانته الدينية والوطنية، ومن أهملها عامدا أو غير عامد فقد خان الله والوطن والأمة.
طبعا، هناك توجهان متناقضان في كل شيء، لا يمكن أن يجمع بينهما غير عقل جاهل ومنطق فاسد، التوجه الأول يتحدد في مسألتين: الأولى هي التحرر والاستقلال الوطني، بكل ما يمكن أن تحمله الكلمتان من معانٍ، وعلى كل الأصعدة، والمسألة الثانية هي بناء مؤسسات الدولة التي تحقق العدالة الاجتماعية بكل أشكالها وأساليبها وأدواتها. أما التوجه الثاني فهو توجه لا ضير عنده أن يكون تابعاً للنظام العالمي الإمبريالي والصهيونية العالمية، فكريا وقيميا وسياسيا وطبعا اقتصاديا، ويمكّن لعدو شعبه من احتلال وغزو أراضيه ونهب ثرواته، ويعمل على تمكين الطبقة الرأسمالية المتصهينة بكل شرائحها على حساب جماهير الشعب العامل والمستضعف.
التوجه الأول يمثله مشروع المسيرة القرآنية بأفكاره وقيمه ومواقفه، والتوجه الثاني يمثله كل من كان من قادة مؤتمر حرض عام 1969م إلى منظومة الفار هادي، ودفاعك أو هجومك على أي من هؤلاء هو دفاع أو هجوم على ما تمثله توجهاتهم وتوجهاتك أنت. وهنا تأتي أهمية الطليعة الثورية (القيادة) في أي مجتمع، التي لا تقوم وحدها بكل الأدوار التحررية، فوظيفة الطليعة الثورية هي أن تقود الجماهير، بعد توعيتها وتحريضها وتنظيمها، لتنطلق للتحرر والاستقلال. ولا يمكن الاكتفاء بواحدة منهما، القيادة الثورية بلا جماهير صوت بلا قوة، والجماهير بلا قيادة ثورية اندفاع أهوج بلا عقل.
قيادة وجماهير ثورة 21 أيلول/ سبتمبر كان لا بد لهم من التخلص من أدوات التبعية والارتهان ومن التكفيريين وحكم السفارات الأجنبية والإخوان وعلي محسن وصالح، ليثبتوا أنهم أصحاب توجه التحرر والاستقلال، حتى لو لم يتمكنوا من التخلص من الأحزاب التي كانت تدار بواسطة الأدوات المرتهنة، فكل أداة منهم اليوم هي لاعب أساسي في الثورة المضادة التي استجلبت كل زناة العالم للحرب على اليمن وحصاره، وأي فذلكة سياسية اليوم لاستبدال أي أداة منهم بالأخرى، ليس سوى استبدال الرمضاء بالنار، أو الطاعون بالكوليرا، أو الخائن بالعميل، ولا فكاك من مشاريع الأحزاب لإعادة إنتاج أدوات التبعية والارتهان تلك، إلا بالاعتماد على الوعي بفلسفة هدى الله وحكمة التاريخ، والاستناد إلى إرادة الجماهير الواعية المنتصرة لمصالح قضاياها العادلة، وأول تلك القضايا القضية الفلسطينية.
* نقلا عن : لا ميديا