قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}
في الحادثة التي سمع بها وشاهدها الكثيرين عن اجتياح وغزو لملايين من صراصير الليل وغيرها من الحشرات لمناطق في السعودية وبما في ذلك بيت الله المحرم، استوقفتنا هذه الآية التي أوضح الله سبحانه أن ما أشارت إليه يعتبر آيات مفصلات، تلك الآيات التي كانت عقوبة في نفسها، لدرجة أن فرعون كان في تلك الدرجة من الكفر والكبر في نفسه، وهو من قال "أنا ربكم الأعلى" وصل لمرحلة ان يستنجد بموسى عليه السلام، ويتوسل إليه كأن يقول "ادعُ لنا ربك بما عهد عندك" حتى يكشف الله عنهم ذلك البلاء العظيم، ويطلق العهود بالتوبة والاستقامة وإرسال بني إسرائيل مع نبي الله موسى عليه السلام وهو من كان في حاله من العتو والإعراض عن أمر ربه، وعندما كان الله يكشف العذاب لأجَلٍ هو يعلمه، كان ينكث في كل مرة، وتأتيه وقومه الآية تلو الأخرى الذين كانوا يطّيروا بموسى ومن معه .
وعلى الرغم من أن كل آية منها كانت عقوبة في حد ذاتها كما ذكرت أنفا، إلا أنها كانت تمهيدا لعقوبة أكبر، وهي كما يقال قاصمة الظهر، والتي لا ينفع بعدها التبصر والتذكر، لأنه حينها يكون الأوان قد فات، كما حدث مع فرعون أثناء غرقه في اليم.
ولأن الله حكيم عليم، ولأن سنن الله تتكرر ولا تبديل لها، كما قال في محكم كتابه :"ولن تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبدِيلاً ولَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تحويلا"
فنحن نعلم يقينا أن هذه الحادثة التي أصابت حتى بيت الله الحرام لأول مرة ليست عرضية، ولكنها بسبب تجاوز من يعتبرون أنفسهم خداما لبيت الله الحرام وللمسلمين، وبسبب رجسهم وتدنيسهم لأطهر بقعة في الأرض، ولربما كانت الصراصير أطهر منهم، وهم من قد وصلوا إلى ذلك السوء في أنفسهم، بل وعمّ سوءهم وشرهم حتى وصل لجميع الناس، وليعلموا أن القرآن ليس آيات تتلى فحسب، ولكنه مبادئ وقيّم وأخلاق تتجسد في واقع الحياة لأنه منهاج حياة لو كانوا يعلمون.
وكما ندرك أن وراء هذه الآية الإلهية ما ورائها من الإشارات والدلائل التي يعلمها من يتفكرون في سنن الله وآياته، ويستشعرون خطورة الأمر، وماذا هناك أشد خطرا من غضب الله وسخطه ونقمته التي جلبها ظلم وشر هؤلاء القوم، حتى تتكرر سنه من سننه وآية من آياته التي أرسلها على قوم أوضح من خلال تكرر ذكرهم والتذكير بقصتهم في كتابه، خطورة ما كانوا عليه من تكبر ومعاصي وظلم وإجرام وإفساد في الأرض وإعراض عن الحق، فأي سوء وصل إليه قوم هذا الزمان من عيال سعود ومن انضوى تحت لوائهم، وهم من لا تُعد مصائبهم فمن قتل وإجرام وتدمير في بلاد المسلمين إلى موالاة اليهود والنصارى إلى ما يفعلونه مؤخرا من نشر الفساد في مهلكتهم نفسها وبجهود عظيمة يبذلونها ويرعون ذلك ويقومون عليه على قدم وساق وبتوجيه من الصهاينة، وبالأخص بعد أن أسسوا هيئة لرعاية الترفيه واستجلاب المغنيين وإقامة السهرات الغنائية وما يتبع ذلك من الاختلاط بدون ضوابط سليمة وما يقومون عليه من رعاية للسفور، وما يروجون له ويريدونه من تدهور للأمور حتى تزداد سوءا أكثر!
فإلى أين تتجه أرض الحرمين وهل سنشاهد عقوبات مختلفة متتابعة تمهيدا لأخذ الله الأليم الشديد للطغاة والظالمين، وانتصارا للمستضعفين الذين يؤيدهم الله ويجعلهم وبالا على الظالمين، وهل سيكون موقفهم من هذه الايات والإنذارات كقوله تعالى:{فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ}
وكما تتكرر آيات الله في النكال بالظالمين فإنها يقينا تتكرر في انتصار المستضعفين من أصحاب القضية الحقّة العادلة والمبادئ الصحيحة..
قال تعالى:"ونُرِيدُ أن نَمُنَّ على الذِّينَ استُضعِفُوا وَنجعلُهُم أئِمةً وَنجعلَهُمُ الوارثين"