سلسلة روائع الأدب اليمني..(42) الشاعر زياد السالمي.. إعداد حسن المرتضى
مجموعة من روائع الشاعر زياد السالمي
بوحٌ عليٌّ
بكل ما أنت فاض الصبُّ إلماما
وفاح يشدوك إنسانًا وإسلاما
كفى بحبك بعد الله منشرحًا
أقسِّم الوجد في الأشياء بسَّاما
ما بين غربة فكرٍ في حواضرها
وبين منهجِ حقٍّ فقتُ أفهاما
أذكي مشاعل هديٍ في مشارقها
وفي المغارب صغتُ المجد إتماما
مددت جرحي شفاء غير مبتأسٍ
من الأذى قلتُ منك العفو ما ضاما
وغبتُ عني إلى مأتاك مبتعداً
عن نازع النفس واللذات لوَّاما
وثبت من لحظتي للنور متبعا
لأنك القدوة المثلى لمن راما
شوق المحب إلى المحبوب منطقه
أن يقتفي الأثر الوضاء إلزاما
من ذا سواك رسول الله أقصده
يا عنك هل يستطيع العلم إعلاما
لأنك الحق من رب العباد لنا
فسوف تقرؤك الأجيال إلهاما
كثير فضل رواك الناس في أبدٍ
للعالمين بكل الخير قوَّاما
عن أي حزن إذًا يا خير من حملتْ
أمٌّ .. ووحدي بفرش المفتدى ناما
عن أي ظلمٍ وحسبي للورى سبباً
وبابُ علمِك يا طه بنا قاما
عن أي موتٍ سأخشى يومها أملا
وطعنة الغدر حقاً شَجَّتِ الهاما
عن أي شيءٍ سأبدي بعدكم عللا
وأنت يا مصطفى جاوزت إكراما
أخوَّةٌ وولاءً ثم منزلةٌ
هل يا ترى بعدها في الشأو عزَّاما
صلى عليك دمي ما فزتُ منبعثاً
شهادة الحي عند الله حتَّاما
(عالي الجناح)
لو كان شيئاً ما يُطِلُّ مُزاحا
أتراه يَرْمِي نَرْدَهُ أَرواحا ⸮
غيمٌ..! ولا أخفيك هل يدري متى
في نوئه لا يستقلَّ رياحا
عجباً أمام برودةِ البالِ الذي
ما زال مُبتسمَ الحضورِ جراحا
أعلى التقاءِ المالحِ الفضيِّ بالَّ
لا لونِ آوى صخرةً وارتاحا ..⸮
وإليك توبةَ ناصحٍ - يا ليتها -
صَغِتِ القلوبُ محبَّةً وَسَمَاحَا؟!
وكهولةُ الكحليِّ يُقرأك العلى
مُتَيَمِّناً رملَ الخطى والراحا
وطني ويشهدك الكرام مُوَحَّداً
مرفوعَ ذِكْرٍ دائماً أفراحا
عَنْكَ اليراع على يدينِ من الرؤى
في ريشةِ الماضي غدا ألواحا
يا دهشةَ الآتي وراءَ ضلوعِنا
لمّا سَلَخْتَ من الظلامِ صباحَا
نَحْيَاكَ فَوْقَ يَقِينِنَا مُتَعالِيًا
نُعْلِيْكَ فوق جباهِنا وضاحا
لكأنَّ صوتَ المجدِ رجعُ نشيدِنا
يعلو على صوت السوى صدٌاحا
ومضى الزمانُ بقوةٍ مستوثقاً
يروي ثراك وشعبَك الأقحاحا
يا موطنَ الأمجادِ يا يمن المنى
يا ليلَ كونٍ من سناك انزاحا
يا مُرتَجَى من رام عزاً شامخاً
يا فضلَ ربِّك للوجودِ أتاحا
في العزم في الإصرار في الإخلاص في ال
إيثار في الأخلاق طِبّتَ كِفاحا
ستظلُّ فوق الوصف أكرمَ سُحْنَةٍ
تعلو على كُلِّ الوجودِ جناحَا
(ثَمَّ شيءٌ)
ثَمَّ شيءٌ.. لا يُشْبِهُ الارتيابا
لا، ولا يشبه النوى؛ والعتابا
في المبالات قد يلوح شروداً؛
لا يبالي لعاذلٍ: كيف خابا ؟
كبعيدٍ إذا تنائى ترائى
في وِجيب الخُطى يزيدُ اقترابا
ربما لاح قرب حزنٍ طروباً
ربما صَدَّ وهو يذوي انتحابا
إن نأى عن سواه فاق حضورا
أو تماهى مع المقابل غابا
بجوار الصغارِ يدنو صغيراً
وإليه الكبار ترنو انجذابا
ربما هم بدونه محض وهمٍ
ربما كان في التباهي سرابا
أو يكون الحياةَ من غير موتٍ
أو هو الموتُ قد يعيش المآبا
ربما للسؤالِ: هل ثَمَّ موتٌ ؟
بحياةٍ يكون فعلا أجابا
ربما الموتُ وحدَهُ دون عيشٍ.،
ربما الموت بالحياةِ تغابى
ربما الموتُ رامَ فعلا حياةً
مثل عيشٍ لموته يتصابى
أو يكون الحمامَ عند التوخي
أو لديه الحمامُ يغدو غرابا
ربما قد يُرى على الجهد لهواً
وعلى الظِلِّ في التولِّي صِعَابا
إن على الغصنِ لاحَ شوكٌ مخيفٌ
فبه الوردُ يَحتَمِي أَنْ يُصَابا
مثلما الورد شائكٌ وهو طفلٌ
حطّمَ الشوك كي يَصِيْرَ شَبابا
ربما الحبُّ في الشجونِ نبيٌّ
يقرأ اللحنَ في التأسِّي كتابا
رُبَّما قِيْلَ في انشغالِ المواتي
عاهنٌ عَادَ يَنْسِجُ الاكتئابا
ألزوايا حروبُ من لَيْسَ يَقْوَى
أن يُعِيْدَ الرمالَ بحراً عُبابا
...
يحمل الأمرَ ضدَّه؛ كاعتبارٍ
من على الأفق قد تدلَّى ضبابا
ربما آخرٌ أشدُّ وضوحاً
لا، ولا يشبه النشيد انسيابا
لا يغني وربما لا يصلي
ربما في الأنيس يُبدي اغترابا
هكذا ظل بين شدٍّ وجذبٍ
ليس يَخْشى على اليقين حسابا
ثَمَّ شيءٌ..، فلا كثيفَ فيُبلى
لا، ولا بالطفيفِ حتى يُعابا
لا نواةً، ولا هيولى انشقاقٍ
ليس أيضاً إلى سواه انتسابا
ثَمَّ شيءٌ.. أقلُّ - يبدو- قليلا
هكذا.. من صدىً يشقُّ السحابا
(اقْتِدار)
كَمَبْكىً عَلَى حَائطٍ مِنْكِ غارا،
كَأَنْوَارِ ظِلٍّ يَصُوْغُ النَّهارا
كَشَدْوِ العَصَافِيرِ فِي رَجْعِ لَحْنٍ
يُدوْزِنُ عَنْكِ الرِضَا والقَرَارا
كَوَردٍ بِأَيْقُوْنةِ العِطْرِ؛ قدَّمَ
أنفاسَه لِلشجُونِ اختِيَارا
كَجُوْدِ جِبَالٍِ بِفَيْضِ ظِلالٍ
وَمَاءٍ عَلَى جَدْبِ هَذي الصَحَارَى
وَهَذِي الرمالُ - كإثباتِ ذاتٍ -
تُغَطّي المَجالَ إِلِيْكِ غُبارا
وَكَاْنَتْ كَمَا أَحْكَمَتْ قَبضتِيْها
تَمَاماً عَلَىْ عُنْقِ غَيمٍ بُخارا
- وأيُّ الْتِفَافٍ إذاً..؛ مِثْلُ قَيْدٍ
على كََِفِّ سَجَّانهِ حِيْنَ ثَارا..!
- كَُحُزْنِ التَأَنِّي عَلَىْ أُفْقِ حُرٍّ
يُهَدْهِدُه الخَائِفُونَ الحَيَارَى،
كَمَنْ سَاوَرَ الأمْنِيَاتِ سَبِيلا
إِلِيْكِ وَمَدَّ أَسَاهُ حِصَارا
وَكُنْتِ عَلَىْ كُلِّ شِيءٍ ظَهِيْراً
كَأَنَّ عَلَىْ مِعْصَمِيْكِ سُوُارا
كََحَرْبٍ عَلِيْكِ وَأَنْتِ بِخَيْرٍ
كَيَأْسٍ عَلَىْ الكَوْنِ حَتَّىْ تَوَارَى
وَفِيْ كُلِّ حَدٍّ تَوَلَّى فَكَانَ
كَمَنْ رَاْمْ مِنْكِ الحِمَىْ والجُوَارا
وَكَانْ كَمَا الطُفْلِ بَِيْنَ يَدِيْك
تُنَاغِينهِ العَطْفَ والاعتِذَارا
وَأَنْتِ - كَمَا شِئْتِ- جَذرَ انْتِمَاءٍ
نراكِ وَمَعْجِزَةً واقْتِدارا
كَأُنشُودَة؛ٍ مِنْ صَدَى دَحْرَجَاتِ ال
صُخُورِ لِوادِيْكِ؛ تَعْلُو المَدَارا
هَنَا أَنْتِ صَنْعَاءُ أَصْلُ الحَضَارَةِ؛
مِنْ عَهْدِ سَامَ مَضِيْتِ ازْدِهَارَا
إِلِيْكِ انْتِمَاءً رَنا كُلُّ شِبْرٍ
وأَمَّكِ عَاصِمَةً وَمَزَارَا
وَعَاشَكِ حُريَّةً وَسَلاما
وَخَطَّكِ فِيْ مُقْلَتَيْهِ انْبِهارا
بِكِ الأمْسُ فِي الآنِ والغدِ مأتىً
إِلِيْهِ عَلَى صَهْوَةِ المَجْدِ سَارَا
هُنَا النُبْلُ وَالخَيْرُ وَالطِيْبُ شَعْبً
عَلَى خَافِقَيْكِ تَبَاهَى امتِهارا
نُبَاهِلُ فِيْكِ الحَضَارَاتِ جَمْعَى
وَنَزْهُو عَلَى مَا سُوَاكِ افْتِخارا
كَأَنَّ الوُجُودَ بِتَعْظِيْمِ إِثْرٍ
إِلَى (قَصْرِ غَمْدَانَ) حَطَّ القَرَارا
و(إِيْلِي بْنِ شَرْحٍ) قُبِيْلَ البِنَاءِ
بِجدٍّ لِذِي الاخْتِصَاصِ استَشَارا
وَوَجَّهَ - وُفْقَ المَقَايِيْسِ - أَنْ يَنْ
حَتَ النَّاحِتُونَ الجِبَالَ حِجَارَا
كَأَنٌِي بِهِ مِنْ عَلَى العَرْشِ يَدْنُو
مُهَابًا بِحِكْمَتِهِ لا يُجَارَى
وَكَيْفَ أَعَدَّ وَسِيْلَةَ ضَوْءٍ
مِنَ الشَمْسِ فِي القَصْرِ حَتَّى أَنَارا
كَقَيْصَرَ مِنْ رَجْعِ حَفْرِ الخُيُوْلِ
رَمَى التَّاجَ خَوْفاً وَفَرَّ انِكِسَارَا
وَمِنْ بَأْسِ هَمْدَانَ إِيْوَانُ كِسْرَى
تَهَدَّمَ؛ والله أخْمَدَ نَارَا
رِجَالٌ عَلَى أُهْبَةٍ..، فِي الحُرُوْبِ
بِأَعْدَائِهِمْ يَلْعَبُونَ القِمَارَا
كَأَنِّي بِفُرْسَانِ رُوْمَا حُفَاةً
يُسَاقُوْنَ خَلْفَ الخيُوْلِ أُسَارَى
كَسُورَةِ رُوْحٍ تَلَتْكِ الحَيَاةُ
عَلَى مَسْمَعِ الطَّيِّبِيْنَ ادِّكَارَا
وَرَجْعُ الصّدَى فَوْقَ وَصْفَ الخَيَالِ
بِحِسِّ التَّمِيُّزِ أَشْدَى النِزَارا
وَهَذا المَسَاءُ عَلِيْكِ كَكُحْلٍ
تَجَلَّى عَلَى المُقْلَتِيْنِ احْوِرَارَا
كِهَذِي البَسَاتِيْنِ حَوْلَ البِيُوْتِ
حَدَائِقَ بَابِلِ تَرجُو انْصِهَارَا
تُحَاوِلُ مِنْ دُوْنَ جَدْوَى، وَتُمْضِي
إِلَى جَنَّتِيْكِ التَّمَنِّي اضْطِرَارَا
وَتَسْأَلُ عَنْ سِرِّ هَذَا الجَمَالِ
عَلَى الخَصْرِ بِالحُسْنِ كَيْفَ اسْتَدَارَا
كمَعْزُوفَة المَجْدِ عَنْكِ؛ خَلِدتِ
بِأُفْقِ التَّمَوْضِعِ أَنْقَى وَقَارا
كَأَنَّ الوُجُودَ بِما هُوَ أَنْتِ
عَلَى كُلِّ حَاضِرَةٍ قَدْ أَشَارَا
وَطَابَتْ لإيلافِهَا مِِنْكِ صَيْفاً
قُرِيْشٌ وَمَكَّةُ نَالَتْ ثِمَارا
فَكَيْفَ تُبَالِينْ من بَعْدَ هَذَا
لَوِ اللَّيْلُ مِنْ حَوْلِ نُوْرِكِ دَارَا
(بَوْصَلَةٌ)
في ظَرْفِ مَاذا.. وَقَلبٌ ظَلَّ مُنْجَذِبا
كَمَنْ لِخَالقِه عَنْ خَلّقِهِِ رَغِبا
يا قَهْرَمَانَةَ حِلْمٍ، مِن شَمَائِلِهِ
عَرْشُ التَّهَجِّي عَلَى الأمّجِادِ ما احتَجَبَا
شرودُ فَيضٍ له الإصْرَارُ بَوْصَلَةٌ
يُهادِنُ الخَطْوَ حَتَّى جَاوَزَ السُحُبَا
وَخَلْفَ صُبْحٍ يَضِيقُ الأمسُ في غَدِه
عطرٌ موازٍ تَهادى زَهْرَه نَسَبا
أطَوي جَنَاحَ المُنَى، والرِّيْحُ تُوْهِمُني
بأنَّ فِيْها بَدِيلاً لَمْ يَكُنْ تَعِبا
مِنْ حَوْلِنَا الصمتُ ؛ أسلاكٌ وأنظمةٌ
عنِ الهويَّةِ؛ مَنْ ذا يَسْألُ العَرَبا؟
مَا لَسْتُ - تُدْرِكُه- دفّئاً بأغنيةٍ
تُدُوزِنُ الشوقَ من آلامِنَا... عَجَبا...!
مَنْ يُشْعِلُ اللَّيْلَ ناراً عَلَّ نَأْنَسُه
وَلَيْسَ يَحّتاجُ كِبْرِيْتاً ولا حَطَبا..؟!
وَلِي بِمثلكَ مَا أَشْدُو عَلَى حَذَرٍ
وَأُطْفِئُ اللَّيْلَ بالحُسْنَى إِذَا التَّهَبا
ها أنتَ تَنْبِضُ حُلْماً.. قُلْ -جُزِيْتَ رضاً-:
أَلمْ يَزَلْ لِغَدٍ فِي مُوطني أَرَبَا
النُورُ يَسْطَعُ مِنْ حُزْنِي.. وتُِقْرِئُنِي
جَدْوَى التَجَلِّي عَلَى آهَاتِنَا كُتُبا
اللَّيْلُ مِنْ قَبَسٍ يَهْوِي بِلا قَمَرٍ
ثَوْباً عَلَى جَسِدِ الأرْجَاءِ مُنْسَكِبَا
وانْتَابَني الدِفْءُ - فِي تَمْوِيهِ مُنْدَهِشٍ
حالا على السُهْدِ- مِنْ بَرْدٍ هَمَى رَحِبَا
فَوْضَى الحَوَاسِ وَهَمْسُ اللِّحْنِ يَعْزِفُهُ
صمتُ انْتِفَاءٍ وَيَرتَدَّ الصَّدَى غَضَبَا
أنا اليمانيَّ لِي أَمْجَادُ مَنْ سَبَقُوا
وَلي الخِتَامُ ثباتٌ دُوْنَهُ اضْطَرَبا
أُفْقي يُضِيْءُ مِنِ الآتي عَلَى يَمَنٍ؛
بَعْدَ القِيَامَةِ حَمْدٌ للعَزِيْزِ نَبَا
ما احتَطْتَ فِيْكَ عِنَاقِي الضدَّ مُبْتَسِماً
وَلَمْ يُزِدْكَ اختِلافِي حِكْمَةَ الغُرَبا
وَفِي فُؤَادِكَ مَأْتَى المَجْدِ أُتْبِعُهُ
إِلَى التِمَاعِ اكتِمالٍ فِي المَدَى سَبَبا
وَاعتَدْتُّكَ الأبْيَضَ المِلْحِيَّ فِي أَثَرٍ
عَلَى قَمِيْصِ التَّفَانِي يَرْسِمُ الحِقَبا
وارتَادَنِي اللَّونُ رُوْحِيَّ المَذَاقِ عَلَى
كَأسٍ مِنِ الشُهْدِ فَاهْتَزَّ الهَوَى وَرَبَا
وطِبْتُ يا نَخْوةَ الرمْلِ الأصيْلِ إِلَى
إِخْلاصِ آتٍ عَلَى عَقْبِيهِ ما انْقَلَبَا.
*نقلا عن : المسيرة نت