أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
عقدت القمة العربية في العاصمة البحرينية المنامة، وانتهت ببيان إنشائي، لا يقدم ولا يؤخر، وعاد الزعماء العرب إلى بلادهم، وكأن شيئاً لم يحدث.
اللافت أن قمة عربية، يحضرها معظم الرؤساء العرب، مرت على الإعلام العالمي، بأقل قدر من الاهتمام، ولم يحظ البيان الختامي، بما يفترض من القراءة والتحليل، ولم يبن عليه أي موقف، أو توقع لأي تأثير على مجرى الأحداث في المنطقة، وحتى وسائل الإعلام العربية، التي تتبع بمعظمها إلى أنظمة التطبيع العربية، لم تعطِ القمة اهتماما يذكر، واقتصر الأمر على النقل المباشر والأخبار البروتوكولية واللقاءات الثنائية.
وقد يكون من الطريف، أن عدم إلقاء الرئيس السوري بشار الأسد، كلمة أمام القمة، أثار من الاهتمام والتساؤلات، أكثر من القمة وبيانها.
هذا الوضع المحزن لحال الأمة، لم يأت من فراغ، فقبل الحديث عن أي قمة عربية، أو انتظار نتائج عنها، علينا أن نعترف أن النظام العربي الرسمي، أثبت أن معظم أنظمته، صنيعة أجهزة الغرف السوداء، لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والصهيونية، وهي نفس الأجهزة، التي أنتجت "داعش" و"القاعدة" و"جبهة النصرة" وأخواتها، وأن ما يعنيه الأمن القومي العربي، هو أمن هذه الأنظمة، وليس العرب كأمة وشعوب، وأن نعترف بأن يد هذه الأنظمة، مازالت هي اليد العليا في المنطقة العربية، وبالتالي علينا ألا نتوقع أكثر مما أنتجته قمة المنامة، وغيرها من القمم العربية والإسلامية، وسيستمر هذا الوضع، حتى تتمكن دول وفصائل محور المقاومة، من ترجمة انتصاراتها التي تراكمها، إلى فعل سياسي، ينتج خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة، وعندها سنكون أمام منطقة عربية جديدة، وأمن قومي عربي مختلف.
طبعا هذا ليس بغريب على قمة تعقد في دولة تستضيف أحد أهم الأساطيل الأمريكية، وبجوارها قطر، التي تستضيف قاعدة العيديد، التي تعتبر أكير قاعدة عسكرية أمريكية، خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات التي تقود اليوم قاطرة التطبيع، والسعودية التي تريد التطبيع، لكنها تتهيبه وتتخوف منه، لاعتبارات تخص النظام السعودي نفسه، وبسبب تطورات الأوضاع في المنطقة، منذ عملية طوفان الأقصى، والمأزق الأمريكي الإسرائيلي، بسبب الفشل، في تحقيق أهداف العدوان على الشعب الفلسطيني.
وفي القمة أيضا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يشبه أي شيء إلا وجه مصر، ولا يقل حماسة لحصار المقاومة الفلسطينية، عن حكومة نتنياهو، أما اليمن الذي -بجناحه المقاوم- يغير توازنات القوى والقوة في العالم، يمثله في القمة، صنم يقيم في فنادق الرياض، ويعين من قبل النظام السعودي.
ولا ننسى أيضاً، لبنان الممثل برئيس حكومته نجيب ميقاتي، الابن غير الشرعي للنظام السعودي، وما قاله عن القرار (1701)، والمشروع الذي طرحه لتنفيذه، بضمانات دولية، بما يجعله اتفاقا حدوديا، يستهدف إنهاء المقاومة، وفصل لبنان عن القضية الفلسطينية، ولو من دون اعتراف، وتطبيع مستتر، بانتظار الفرصة المناسبة للحاق بركب المطبعين.
أما ثالثة الأثافي، وقمة السخرية، فكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي أراح نتنياهو، وأزاح غمة عن كاهله، وهو يتهم المقاومة الفلسطينية، بالتسبب بما حصل في قطاع غزة، متهماً إيَّاها، بإعطاء إسرائيل، ذريعة لتدميره، وإبادة سكانه.
وحده الرئيسي الأسد، كان في القمة، كغريب ينطبق عليه القول "ومن نكد الدنيا على الحر، أن يرى عدوا له، ما من صداقته بد" فالوضع في سورية خاصة، وفي المنطقة بشكل عام، معقد، وبلحظة حساسة جداً، لا تحتمل "ترف الكلام" وعرب المنامة، هم أنفسهم عرب قمة الدوحة، التي اتخذت القرار بذبح دمشق، خدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد، الأمريكي الصهيوني، والنظام الرسمي العربي، الذي كان أشد على سورية من أعدائها، لم ولن يتحولوا إلى "ولي حميم" ما لم تتخذ دمشق، القرار المستحيل، بتغيير هواها، وانتمائها وهويتها الوطنية والقومية، ففضل الرئيس الأسد الصمت، حيث لا ينفع الكلام، لكن هذا الصمت، كان أبلغ من الكلام، وكانت رسائله واضحة جداً.
فالرئيس الأسد، حدد بكل دقة ووضوح، موقف وموقع سورية، قبل أيام من قمة المنامة، خلال المؤتمر العام لحزب البعث، ويومها أكد أن "القضية الفلسطينية، عادت إلى الواجهة، واتضحت عدالتها، وانكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية، وموقف سورية الوطني، من الكيان المجرم، ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية، ولم يهتز للحظة أو ظرف، ولا شيء يبدل موقفها، أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن لنا أن نقدمه، ضمن إمكانياتنا للفلسطينيين، أو أي مقاوم ضد الكيان الصهيوني، سنقوم به دون أي تردد".
وموقف سورية من المقاومة، "لن يتبدل، وهو يزداد رسوخاً، لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره، لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة، لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن، فلا يستحق وطناً بالأساس".
كما تحدث الرئيس الأسد، عن انكشاف كذب السياسات الغربية، حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان وغيرها، وتأكيده أن القمع الوحشي، الذي نراه في الجامعات الأمريكية، ومثلها في فرنسا وألمانيا وغيرها، يُعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية بشكل عام.
وبهذا الوضوح في الكلام، والدقة في تحديد المواقف، وضع الرئيس الأسد النقاط على الحروف وحسم كل جدل أو نقاش، حول الهوية الوطنية والقومية لسورية، وأجاب على التساؤلات التي كانت تطرح، منذ الانفتاح العربي الموارب على سورية، حول موقفها، وأسقط من يد الواهمين، أي إمكانية لتغيير هذه الهوية، سواء من خلال عدوانهم الشرس على سورية، على مدى أكثر من ثلاثة عشر عاما، أو من خلال أدواتهم، ومنهم معظم الذين اجتمعوا في المنامة، أو من خلال محاولاتهم، التدخل في حق الشعب السوري، بتحديد دستوره وقوانينه، وأكد بشكل نهائي وقاطع، أن سورية لن تكون إلا سورية، روح المنطقة، وقلب العروبة النابض، والمنطقة لن تكون إلا لأهلها وأبنائها.
ومع هذا الوضوح للرئيس الأسد، أصبح الكلام في المنامة، ضرره أكثر من فائدته، فاكتفى بأن يكون الشاهد على قمة، كانت تشبه كل شيء إلا الشارع العربي.
كما تنازل عن حق دمشق، باستضافة القمة المقبلة، التي آلت إلى العراق، لأن من السهل القول إن دمشق المثخنة بجراح الإخوة الأعداء، والمتطلعة إلى عصر عربي جديد، جوهره المقاومة، لا تشبه عرب المنامة، ولا يشبهونها.