عُرِفَ التاريخُ البشري بالصراع الأزلي بين الخير والشر والهُدى والضلال، وامتد هذا الصراعُ على مدى أزمنة وحقب متعاقبة، وحمل معه وسائل وأساليب مختلفة في الحروب والصراعات، وفي كُـلّ عصر أنواع من تلك الوسائل والأساليب، وكلما تقدم الزمن بالبشرية تطورت هذه الأساليب والوسائل حتى أصبحت في زمننا الحاضر أشدَّ خطورةً وَفتكًا بالناس.
وتُعد ظاهرة المرتزِقة إحدى الوسائل التي استخدمها الخصوم في الحروب والصراعات، وهي ظاهرة قديمة عُرفت منذ 1288 ق. م في معركة قادش على ضفة نهر العاصي بين المصريين والسوريين، عندما استخدم المصريون مرتزِقة يقاتلون في صفهم ضد السوريين، كما تذكر المصادر، وأخذت هذه الظاهرة تتطور على مختلف الأزمنة حتى أصبح لها شركات تصل إلى نحو 300 ألف شركة في مختلف بلدان العالم، ويحصل أفرادها على رواتب مغرية، وقد يكونون من أصحاب الرصيد الإجرامي، وخريجي السجون، وممن لديهم تعطش لارتكاب أشد الجرائم وحشية.
وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية بلد المنشأ للعديد من هذه الشركات، ومنها شركة بلاك ووتر (Plack Water) أخطر منظمة سرية في العالم.
وقد شهد اليمن أول حضور لهذه الشركة بعد تفجير المدمّـرة كول عندما أرسلت أمريكا عناصر من مرتزِقة تلك الشركة لملاحقة المتسببين في عملية تفجير المدمّـرة؛ إذ كان تفجيرها مُجَـرّدَ ذريعة لدخول اليمن، تلى ذلك بدء العدوان السعوديّ- الأمريكي على اليمن، عندما استعان قادة العدوان بهذه الشركة لقتال اليمنيين، لكن هذه الشركة ما لبثت أن عادت أدراجها إلى الوراء وغادرت الأراضي اليمنية تجر أذيال الخيبة والهزيمة التي مُنيت بها على أيدي الجيش واللجان الشعبيّة، وذلك بعد فترة وجيزة من استقدامها.
ولم يكن مرتزِقة البلاك ووتر هم المرتزِقة الوحيدين الذين استقدموا إلى اليمن، بل شهدت الساحة اليمنية حضور الكثير من المرتزِقة من مختلف بلدان العالم، عدا استعانة قوى العدوان بالمرتزِقة المحليين الذين كان لهم الدور الأكبر في العدوان على بلدهم ومساعدة المعتدي المحتلّ في احتلال مناطق من الأراضي اليمنية وقتل وتشريد الآلاف من أبناء جلدتهم.
كان غريباً –في البداية- على أحرار هذا البلد ما يفعله المرتزِقة من قتل وتشريد وانتهاكات مساعدة للمعتدي في عدوانه، واتضح بعد ذلك أن مطامع أُولئك كانت أكبر بكثير من شعورهم بانتمائهم لهذه الأرض الطيبة، فكانت الأحداث التي تجري في مناطق سيطرتهم تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ كُـلّ شيء هان لديهم وفقدوا القيم والمبادئ والأعراف والأسلاف، وكلما امتد بنا الزمن شهدنا أعمالاً لهم أكثر سقوطاً وانحطاطاً.
ومن يتأمل أعمال أوليائهم من قادة العدوان السعوديّ- الإماراتي التي يتقربون بها إلى أوليائهم من الأمريكان والصهاينة يدرك وحدة الهدف والمسار، حتى وصلت بنا محطة الزمن إلى اليوم الذي نشاهد فيه الأعراب المنافقين وهم يطبِّعون العلاقات مع الصهاينة المحتلّين، وقد وصل بهم الانحطاط الديني والأخلاقي إلى فتح المعابد والكنائس، والبارات والمراقص، ونشر الفسوق والمحرمات لإغراق شباب المسلمين في مستنقع الرذيلة كما يريد منهم الصهيوني والأمريكي، ولم يتورعوا حتى عن فتحها في بلاد الحرمين الشريفين، وتلاشت أمام أهدافهم ومطامعهم كُـلّ الخطوط الحمراء، وكل الضوابط الدينية.
وفي المقابل شاهدنا مرتزِقتهم على الأراضي اليمنية وهم يسكتون عن انتهاكات الأجنبي لأعراض اليمنيات الشريفات، وقد بلغ السقوط والانحطاط ببعضهم أن أيد ما حدث من انتهاكات على شاشات التلفاز وبكل جرأة ووقاحة.
وحَـاليًّا ونحن نمر بالشهر الثامن من معركة (طوفان الأقصى)، وما ارتكبه ويرتكبه العدوّ الصهيوني من مجازر وحشية وحرب إبادة جماعية بمساعدة أمريكا والغرب ضد الشعب الفلسطيني عامة، وأبناء غزة على وجه الخصوص، شاهدنا الصمت والتخاذل المشين لأغلب الأنظمة العربية، وبصورة ليس لها مثيل، بل وفوق ذلك يعمل العرب المطبِّعون على مساعدة المحتلّ ليوغل في توحشه وإجرامه.
وبطبيعة الحال ما كان لمرتزِقة العدوان المحليين أن يتخلَّفوا عن أولياء نعمتهم في النظام السعوديّ والإماراتي في تقديم مظاهر الطاعة والولاء لسيدهم الأمريكي والإسرائيلي، والوقوف إلى جانب المحتلّ لمحاربة من استجابوا لداعي الله من أحرار اليمن الشرفاء، ولبّوا صرخات الثكالى والمكلومين، وناصروا إخوانهم في غزة، وسيكتب التاريخ على صفحاته السوداء أنّ طارق عفاش ومن سقط معه من الأفراد في مستنقع العمالة والارتزاق قد شكلوا قوة ما يسمى 400 ليقفوا حراساً للصهيونية، وجواسيسَ لصالح العدوّ الأمريكي والإسرائيلي ليرضوا عنهم، ويكونوا لديهم من المقربين.
لكن مهما قدموا من تنازلات وإظهار الطاعة والولاء؛ مِن أجلِ كسب ودّهم ورضاهم فسيظلون مرتزِقة وعملاء، وليس لديهم قيمة ولا أهميّة في نظرهم، ولن يرضوا عنهم أبداً، وهذه حقيقة ذكرها الله في القرآن الكريم، وأثبتها الواقع في كثير من المواقف والأحداث.
ومهما تحالف وتجمع شياطين الجن والإنس في خوض هذه المعركة ضد أبناء فلسطين وأبناء الأُمَّــة فَــإنَّ النصر آتٍ كما وعد الله عباده المؤمنين، والحق يبقى لأهل الحق، والمعتدي والمحتلّ –لا محالة- مصيره الزوال.
*نقلا عن : موقع أنصار الله