دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
إنه خبر جلل. الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من المسؤولين الإيرانيين، شهداء بحادث تحطم مروحية كانت تقلهم. من حيث المبدأ، يعتبر خبر تحطم طائرة أمراً مألوفاً، أياً كان ركابها، وقد تكون من الصدف النادرة أنها تقل رئيساً وعدة مسؤولين، وهناك سوابق، منها مثلا حادث تحطم طائرة كانت تقل الرئيس البولوني، وأدت إلى وفاته.
ومع أنني لست من أنصار نظرية المؤامرة في كل شيء؛ لكن هناك عدة مؤشرات لا يمكن تجاهلها، ولا بد من التوقف عندها.
• كيف يمكن أن يُسمح لطائرة تقل رئيس البلاد وعددا من المسؤولين أن تطير في ظروف جوية سيئة، خاصة وأن التقنيات الحديثة تمكن من توقع حالة الطقس بدقة؟! وهذه الملاحظة لا تعني اتهام جهات إيرانية بإعطاء معلومات، أو إحداثيات غير دقيقة؛ لأن هذا الأمر عملياً شبه مستحيل، إنما يفتح الباب واسعاً على توقع بأن نشرة الطقس لم تكن تدل على أي حالة خطيرة على الطيران، وجرى التلاعب بحالة الطقس، بواسطة التقنيات الحديثة، وهي باتت موجودة ومعروفة. وما يزيد من مشروعية هذا التساؤل أن الحادث وقع في منطقة مختارة بعناية، تتميز بوعورتها، وبصعوبة الوصول إليها.
• كيف لم يؤثر الطقس العاصف على الطائرتين اللتين كانتا ترافقان طائرة رئيسي؟! وأين ذهبت الطائرتان بعد الحادث ولم تشاركا في الإنقاذ وإرشاد طواقم الإسعاف لتحديد مكان الحادث؟! وهذا يفتح الباب على احتمال التشويش والتحكم الإلكتروني بهذه الطائرات، بما فيها طائرة رئيسي، حتى فقدت قدرتها على التحكم وتحديد المواقع.
• تزامن الحادث مع التحرك المشبوه لطائرة تتبع لسلاح الجو الأمريكي، من طراز (C-17 RCH34) هبطت في العاصمة الأذربيجانية باكو، قبل الحادث، وغادرت بعد الحادث مباشرة.
• التغريدات التي أطلقها الناطق باسم قوات الاحتلال الصهيوني، وعدد من كبار المسؤولين الصهاينة، والتي تقول إن يد «إسرائيل» طويلة.
بالتأكيد هي تساؤلات مشروعة، حول حدث استثنائي، خاصة وأن إيران اليوم ليست مجرد دولة عادية، وإنما هي من أكثر الدول التي تساهم في رسم معالم المنظومة الإقليمية والدولية المتعددة الأقطاب، التي تتشكل على الساخن والبارد، لوراثة منظومة القطب الواحد برأسها الأمريكي، الذي ملأ العالم حروبا وقتلا ودمارا على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
هذا يجعل الاحتمالات واردة، بين أن يكون سقوط الطائرة حدثاً عادياً تصادف أنه طال طائرة رئيسي، أو أن يكون مدبراً تقف وراءه أجهزة استخبارات عدة دول؛ لأن من المستحيل القيام بهكذا عمل من قبل دولة واحدة، مهما بلغت قوتها وقدرتها.
كما أن التحقيقات في الحادثة لن تقتصر على إيران، لأن الحدث كبير، وتأثيره لا يتوقف فقط على إيران.
وفي حال بيّنت التحقيقات أنه حدث عادي، حينها سيكتب أنه جرى على الرئيس رئيسي ورفاقه قوانين الحياة العادية، بغض النظر عن مواقعهم.
أما في حال كشفت التحقيقات أن الحادث مدبر، فستكون تداعياته خطيرة جداً، لأن الأمر لن ينظر إليه حينها على أنه طال رئيس إيران، وإنما على أنه حدث دولي خطير جداً؛ لسببين:
الأول: أن إيران ليست مجرد دولة عادية، وإنما تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مصير منطقة غرب آسيا، التي تعتبر على مدى التاريخ المؤشر إلى هبوط وصعود الإمبراطوريات والدول العظمى، بما فيها من صراعات شرسة، منها الصراع الوجودي مع العدو الصهيوني، والصراع على خطوط إنتاج ونقل الطاقة، والصراع على المضائق والممرات البحرية، وعلى خطوط التجارة الدولية... ونتيجة هذه الصراعات هي التي ستحدد موازين القوى والقوة، وحجوم الدول، في المنظومة الإقليمية والدولية التي تتشكل، وسترتسم على أساسها الخريطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم.
الثاني: لا يمكن السماح بأن يستخدم أسلوب اغتيال رؤساء الدول بهذا الشكل؛ لأنه يتجاوز كثيرا كل الخطوط الحمراء للأعراف والقوانين الدولية، ويفتح الباب أمام فوضى عارمة في العلاقات الدولية؛ لأن من يقتل الرئيس الإيراني يمكن أن يقوم بذلك مع الرئيس الروسي، والصيني، ومع أي رئيس آخر في العالم.
بالتأكيد أن الصراعات التي تديرها أجهزة الاستخبارات لا تجري على المسرح المكشوف، إنما تدور في الغرف السرية وخلف الكواليس؛ ولكن في حال كان الحادث مدبراً فلن تستطيع أجهزة الاستخبارات التي قامت بالعملية إخفاء كل الحقائق، لأن الأطراف المقابلة، ومنها إيران، تمتلك ما يكفي من القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية، للوصول إلى الحقائق، ولديها من الإمكانات والقدرات على اتخاذ القرارات وتنفيذها، وفي هذه الحالة ستكون تداعيات الحادثة خطيرة جداً في الصراعات الجارية في المنطقة، وفي مقدمتها الصراع العربي - «الإسرائيلي»، والتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، منذ عملية «طوفان الأقصى»، والمأزق الأمريكي - «الإسرائيلي»، بسبب الإخفاق في تحقيق أيٍّ من أهداف العدوان، بعد أكثر من سبعة أشهر عليه.
من خلال معرفة أسس النظام السياسي في إيران، نستطيع التأكيد أن الحادثة -رغم مأساويتها، والكاريزما التي كان يتمتع بها المرحومان، رئيسي وعبد اللهيان- لن تؤثر نهائياً في الوضع الداخلي، ولن يحدث أي فراغ في السلطة، وسيتم انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة جديدة، بحسب الدستور الإيراني، لأن نظام الحكم فيها قائم -بكل مفاصله، بما فيه موقعا المرشد والرئيس- على مؤسسات منتخبة، قوية وراسخة وفاعلة، وتستطيع تجاوز أي حدث، مهما كان. وفي إيران سابقة على ذلك، عندما اغتيل الرئيس محمد علي رجائي، في بدايات الثورة الإيرانية، مع معظم أفراد حكومته، بتفجير إرهابي أثناء مهرجان خطابي في طهران.
كما أنها لن تؤثر في موقع ومكانة إيران وموقفها من الصراعات والقضايا الإقليمية والدولية، لأن هذه الأسس لا تتوقف على الأشخاص، وإنما تحددها مؤسسات الدولة، وما تمتلكه من عوامل قوة وثوابت في السياسة.
لكن ما نستطيع تأكيده أن تأثيرات الحدث -لو ثبت أنه مدبر- ستكون وبالاً على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، المأزومين أساساً في مستنقع تداعيات «طوفان الأقصى»؛ لأن هذا سيغلق كل الأبواب أمام أي محاولات للتهدئة، وسيزيل كل الخطوط الحمراء في قواعد الاشتباك، وسيفتح ما بقي من أبواب مغلقة في صراعات المنطقة والمواجهة مع العدوين الأمريكي و«الإسرائيلي».
ومع صعوبة التأكد حالياً من أسباب المأساة، فيما إذا كانت حادثاً عادياً أم أنها مدبرة، فلا بد من انتظار نتيجة التحقيقات، وهذا يعني أن كل الاحتمالات واردة.