سالم الكتبي*صحيفة «القدس» الناطقة بالعبرية
ترجمـة خاصة:إياد الشرفي / لا ميديا -
إن التأثيرات الموالية لإيران تعكر مياه الأيديولوجية في الشرق الأوسط وبقية العالم.
إن التطورات الأخيرة والمتسارعة في أزمة قطاع غزة هي دليل واضح على الوضع المتوتر في الشرق الأوسط برمته. وبغض النظر عما إذا كانت "إسرائيل" وحركة حماس "الإرهابية" قد توصلتا إلى اتفاق، فإن جميع الخيارات تظل مفتوحة، خاصة وأن أي اتفاق لن يعني نهاية الحرب أو بداية حقبة جديدة من الهدوء؛ بل سيكون الوقت قد حان للاستراحة وإعادة ترتيب الأوراق، حيث يتخلص الطرفان من الضغوط الداخلية والخارجية التي يواجهانها لإنهاء الحرب.
في الأساس، طبيعة هذه الحرب لا تتعلق بهذه المساحة الجغرافية الضيقة (365 كيلومترا مربعا)، ولا بموقف الحركة "الإرهابية"، بل ترتبط بالصراعات الإقليمية والدولية المستمرة.
وليس سراً أن حماس هي إحدى المليشيات الرئيسية التابعة لإيران. وفي ضوء الاكتشافات العديدة منذ بداية الحرب، لم يعد من الممكن إخفاء العلاقة بين الاثنين.
وحتى لو خفت حدة التوترات بين "إسرائيل" وإيران مؤقتاً، وكان الطرفان راضيين بتعديل قواعد اللعبة وفقاً للرسائل العسكرية المتبادلة، فإن المواجهة بينهما لم تنتهِ بعد. ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من الجولات والحروب بالوكالة في المستقبل، وربما حتى مواجهة مباشرة.ولا ينبغي أن ننسى أن حسابات "إسرائيل" مع الحركات والمنظمات الأخرى الموالية لإيران، وخاصة حزب الله اللبناني، لا تزال معلقة، لأن أمن شمال "إسرائيل" يعتمد على قرارات الجماعة الموالية لإيران ومواقفها غير المتسقة، والتي يصعب في كثير من الأحيان قبولها، ولا التنبؤ بها، سواء من حيث التصعيد أو التهدئة.
إن التحدي السياسي والتفاوضي الأكبر والأكثر تعقيداً الذي تواجهه المنطقة وجميع الأطراف الدولية المشاركة في وقف التصعيد وإنهاء الحرب في غزة هو سد الفجوة بين مطالب "إسرائيل" واحتياجاتها الأمنية، والشروط التي حددتها حركة حماس "الإرهابية".
لدى الجانبين أهداف متناقضة إلى حد كبير :
إن استعادة الشعور بالأمن لدى "إسرائيل"، ناهيك عن قوة الردع والهيبة العسكرية، يتطلب هزيمة حماس، رأس الحربة الإيرانية، وتطهير قادتها المتطرفين، وإعادة الرهائن بالقوة، كما وعدت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 2013، بداية الحرب.
في المقابل، ومن الناحية الاستراتيجية، فإن شروط حماس تعني في الأساس هزيمة "إسرائيل" وانتصار الحركة، وهو ما يشير إلى اختلاف معايير النصر والهزيمة بين الجيوش النظامية والتنظيمات المليشياوية.
لقد لحق بصورة "إسرائيل" ضرر لا يمكن إصلاحه، كما تكبدت خسارة استراتيجية كبيرة، ليس لأنها تعرضت منذ أشهر لواحدة من أسوأ المواجهات في تاريخها مع "الإرهاب"، بل لأن تماسكها الداخلي اهتز سواء بسبب تآكل الثقة في أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية. المؤسسات، أو بسبب الخلافات السياسية العميقة داخل المجتمع "الإسرائيلي"، والتي تمحورت إلى حد كبير حول صفقات الرهائن.
وكل هذا سيظهر إلى النور عندما تصل "إسرائيل" إلى لحظة المساءلة الحتمية، حيث سيتم إجراء تحقيق شامل في كل الأحداث منذ الهجوم الإرهابي الدموي الذي وقع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول للكشف عن المسؤولية عن الأخطاء التي أدت إلى وفاة نحو 1200 مدني، أغلبهم من "الإسرائيليين"، واحتجاز نحو 240 رهينة، على أيدي "إرهابيي" حماس في قطاع غزة، وهو سبب رئيسي لإطالة أمد الحرب في كافة جوانبها العسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
بالإضافة إلى ذلك، أدت هذه المعركة ضد "الإرهابيين" إلى اضطرابات وعدم استقرار في معظم أنحاء الشرق الأوسط، مما يكشف التأثير الجيوسياسي لحرب غزة على الأمن والسلام، خاصة في الدول العربية القريبة من القطاع.
ولا بد من إحياء النقاش حول العلاقة بين المكونات العرقية والدينية المتنوعة (العرب والأكراد والأوروبيين والمسلمين والمسيحيين وغيرهم) الذين يعيشون في وطن واحد، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، مثل الأردن ولبنان، حيث يتم استغلال هذا التنوع للتحريض على العداء والكراهية، بدعم من الجماعات "الإرهابية" الموالية لإيران.
وقبل كل شيء، يتوافق هذا مع الهيمنة الضخمة لوسائل الإعلام الجديدة، في مقدمتها منصات وشبكات التواصل الاجتماعي، والتراجع الهائل في دور وسائل الإعلام التقليدية ومدى وصولها. لقد ضاعت قدرتها على التحكم بتوجهات الناس والرأي العام نحو مواقف عقلانية، خاصة بين الشباب، حيث أصبح من الصعب تغيير المواقف والمعتقدات بناءً على "تيك توك".
وفي معظم الحالات، أصبح زمام الأمور الآن في أيدي أصحاب النفوذ وقادة الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين ينتمي الكثير منهم إلى أيديولوجيات متطرفة ويتبعون أجندات مشكوكاً فيها مؤيدة لإيران.
* محلل سياسي إماراتي ومرشح سابق للمجلس الوطني الاتحادي