بعد شبه غياب عن الساحة اليمنية طوال أكثر من أربعة عقود، وبالتحديد منذ خروج الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن نتيجة لثورة الرابع عشر من تشرين الاول/ أكتوبر1963م، عادت بريطانيا لتلعب دورا رئيسيا في اليمن في الحرب الدائرة ضد الشعب اليمني، والتي دمرت كل شيء وأعادت اليمن عقودا من الزمن إلى الوراء، وظهر دورها أكثر تجليا من خلال مجلس الأمن.
ومع مرور الشهور والأيام يتضح جليا أن بريطانيا ليست حاملة قلم اليمن في مجلس الأمن وصائغة القرارات المتعلقة به من القرار 2216 الى القرار الأخير 2452، فحسب، بل اثبتت من خلال عدة أمور أنها شريك أساسي في العدوان على اليمن وأحد أهم أركان الرباعية الدولية الى جانب الولايات المتحدة والسعودية والامارات.
هذا التموضع البريطاني الواضح أكده وزير الخارجية البريطاني “جيرمي هنت” في تصريحات جديدة له تشدد على مواصلة ما سماه العلاقات الاستراتيجية مع السعودية للتعامل مع حرب اليمن، إلى جانب تصاعد التصريحات البريطانية في الشأن اليمني التي تشير إلى ضلوع لندن وتدخلها في كل الشؤون اليمنية، السياسية والعسكرية وغيرها.
وبالنظر إلى المواقف الاخيرة للوزير البريطاني بالاضافة الى تصريحاته التي ادلى بها بعد مؤتمر “وارسو” واجتماع الرباعية يتضح أن هذه التحركات مشوبة بكثير من الريبة حول ما يخطط له اركان الرباعية وعلى رأسها بريطانيا لليمن وشعبه، لا سيما بعد محاولة رسم صورة مغايرة لليمن وشعبه في “وارسو”، حين قرر مخرج تلك الحفلة وضع اليمن بين أمريكا ممثلة بوزير خارجيتها مايك بومبيو، وبين كيان العدو الاسرائلي ممثلا برئيس الوزارء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
مع أن هذه التصريحات تتعارض بشكل صارخ مع اجواء التفاؤل التي تشيعها الامم المتحدة ومبعوثها الى اليمن، فهي ايضا تأتي بالتزامن مع إصرار حكومة لندن على الاستمرار بتزويد الرياض وابو ظبي بالاسلحة الفتاكة التي تسببت بمقتل الآلاف من الأطفال والنساء وتدمير البنية التحتية اليمنية، متجاهلة المطالبات الكثيرة بايقاف هذا التسليح الذي يجلب العار لحكومة المملكة المتحدة، وكذلك الدعوات المتكررة من قبل منظمات بريطانية واوربية ناشطة في مجال حقوق الانسان ومناهضة لتجارة الأسلحة.
لم يتوقف الأمر ببريطانيا هنا بل وصلت حد محاولة التأثير على برلين للعدول عن قرار منع تراخيص تزويد سلاح للرياض، حيث كشفت مجلة دير شبيغل الالمانية عن قلق بريطاني بالغ من تأثير القرار الألماني على قطاع الصناعات الدفاعية البريطانية والأوروبية، ونقلت المجلة عن وزير الخارجية البريطاني قلقه من عدم تمكن الشركات البريطانية من الوفاء بعدة عقود مع السعودية تتضمن نموذجا جديدا من المقاتلة يوروفايتر تايفون او تورنيدو، وهي من أبرز الطائرات المستخدمة في قتل المدنيين في اليمن.
وفي السياق أيضا كشفت معلومات جديدة عن عمق التورط البريطاني في العدوان على اليمن ونشرت صحيفة “ديلي إكسبرس” البريطانية تقريرا عن إصابه جنديين بريطانيين من كتائب SAS المصنفة من القوات الأخطر في العالم، وهما جزء من فريق مكون من اثني عشر عنصرا بريطانيا تم نشره في مهمة سرية للغاية في اليمن، ضمن مهمة مشتركة إلى جانب وحدة لفريق “القبعات الخضر” الأمريكيَّة.
هذه المواقف والمعلومات تمثل تأكيدات إضافية ومتزايدة على طبيعة العدوان الرباعي على اليمن الذي يدخل عامه الخامس بعد قرابة شهر، وبالتالي يشير الى الاهداف الحقيقية من ورائه، كما من شأنها أن تدحض كل المبررات التي سوقتها السعودية والامارات طوال اربع سنوات.
ومن جهة أخرى يدرك أبناء الشعب اليمني حجم المؤامرة المحيطة بهم، وكذلك قيمة الصمود الذي سطره أبطال الجيش واللجان الشعبية، وصوابية الموقف من هذا العدوان الذي تتكشف خبث دوافعه وخطورة أهدافه يوما بعد يوم.