في قلبِ حصارٍ خانقٍ، وتحتَ وطأةِ عدوانٍ شرسٍ، تُثبتُ غزة يوماً بعد يوم أنّ إرادة الحياة أقوى من جبروت المحتل، وأنّ بندقية المقاوم الفلسطيني لا تُفرّق بين جنديٍ مُجندٍ قسرًا، وآخر جُلب من بقاع العالم ليُصبّح وقوداً لِمَشروعٍ استعماريٍ فاشل. فلم يَعُد سراً أن قناصي المقاومة الفلسطينية – وخاصةً كتائب عزّ الدين القسام – قد أصبحوا كابوساً يُلاحق جنود الاحتلال في كلّ زاويةٍ من قطاع غزة، وذلك رغم الفارق الكبير في الإمكانيات والتدريب.
لم يكن الأمر مجرد صدفة، بل كان نتيجة حتمية لِمَعادلةٍ جديدةٍ فرضتها مقاومةٌ لا تهاب الموت، وتُدرك أنّ لا قيمة لِلعُدة و العتاد أمام قوة الإيمان و صدق العقيدة. فقد تحوّلت شوارع غزة و أزقّتها إلى مُستنقعٍ يبتلع غرور قناصي العدو الذين تَباهَوا بِشهاداتهم و ميدالياتهم، ليَجدوا أنفسهم أمام جيلٍ جديدٍ من المُقاتلين لا يعرف الخوف سبيلاً إلى قلوبهم.
إنّ نجاح مُقاتلي القسام في استهداف قناصي العدو “المُدّربين” يحمل في طياته أبعادًا معنويةً كبيرة، فهو يُؤكّد زيف ادّعاءات الاحتلال حول قوة جنوده و تفوّقهم العسكري، ويُعزّز من ثقة الشعب الفلسطيني بِمقاومته و يُصبّ في خانة كسر هيبة العدو و زَرع روح الهزيمة في صفوفه.
لقد أثبتت مُواجهاتُ غزة أنّ المدارس العسكرية الأمريكية و البريطانية و الفرنسية لا تُصنع أبطالًا، وأنّ حرارة الميدان تَختلف كثيرًا عن صُحبة الكتب و النّظريات. فقد أصبح قطاع غزة بِنفسه مدرسةً لِلقنص و لِلمقاومة، تُخرّج أجيالًا جديدةً من المُقاتلين الذين يُتقنون فنون القِتال في أصعب الظروف و يُسقِطون أعتى الأساطير العسكرية بِبنادقهم المتواضعة و إيمانهم الراسخ.
إنّ كلّ رصاصةٍ تَنطلق من بندقية مُقاتلٍ الفسام لتَحصد روح قناصٍ إسرائيليّ هي بِمثابة نصرٍ يُضاف إلى سِجِلّ المقاومة الفلسطينية، وتَحقيقٍ لِعهدٍ قطعته على نفسها بِالدّفاع عن الأرض و العرض والمُقدّسات، وفداءً لِأرواح الشّهداء و تضحياتِ الأحرار.
في النهاية، يظهر أن التفوق في ساحات المعارك لا يُقاس فقط بعدد الميداليات والتدريبات، بل بالشجاعة والإيمان والإرادة والابداع والمعرفة المحلية. وقناصة غزة هم خير دليل على ذلك.
*نقلا عن :الثورة نت