منذ زمن ليس قريباً ودول الاستكبار العالمي تخطط لأجيال جديدة من الحروب، جربت البعض منها ونجحت في عدد من الدول، وأخرى لاتزال قيد الدراسة والتطوير، وجميع هذه الحروب متطورة ومختلفة عن تلك التي عرفناها خلال العقود الماضية.
إنها الحروب غير المتماثلة التي لا تكون بين جيش وآخر، أو صداماً مباشراً بين دولة وأُخرى، تستخدم فيها الدولة المعتدية كل الوسائل والأدوات المتاحة ضد الدولة المستهدفة لإضعافها وإنهاكها وإجبارها على تنفيذ إرادتها دون تحريك جندي واحد، في هذا النوع من الحروب تستخدم دول العدوان والاستكبار الإعلام والاقتصاد والرأي العام وكل الأدوات المادية والمعنوية، حتى يصل الأمر الى استخدام مواطني الدولة المستهدفة ضدها.
يبدو أن زمن حرب الجيل الأول التي كانت تحدث بين جيشين تقليديين، تابعين لدولتين متحاربتين، وتحدث على ساحة معركة وتكون المواجهة مباشرة، قد انتهت ولم يعد لها حاجة، وحرب الجيل الثاني التي كانت تحدث بين دولة ولادولة، وبين جيش تابع لدولة وجماعات إرهابية أو قوات غير نظامية وحروب العصابات قد انتهت أيضاً، وحرب الجيل الثالث التي عرفت بالحرب الوقائية أو الاستباقية قد انتهت بعد غزو العراق.
نحن اليوم أمام الحرب الأمريكية الجديدة، التي أطلقت عليها حرب الجيل الرابع، والتي تعتمد اللامركزية، وتستخدم فيها كل الوسائل المتاحة لخلق دولة ضعيفة منهكة تستجيب للنفوذ الخارجي، يُستخدم فيها مواطنو الدولة المستهدفة واحتياجاتهم ومعاناتهم.
تأسست هذه الحرب على استراتيجية القتل بهدوء ورومانسية والإنهاك البطيء الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى في البلاد المستهدفة وإفشال الدولة، دون تدخل عسكري أمريكي
إلا في حالات نادرة، وفي نهايتها يتم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية، وتلعب الحرب النفسية دورا بارزا في هذه الحرب، باستخدام وسائل الإعلام المختلفة، وقد تلجأ الدولة المهاجمة إلى تحريض الشعب في دولة ما ضد نظام الحكم القائم فيها، أو تسلّط الجيش والأمن ضد شعبهم، أو تدفع الأجهزة الأمنية للتخلي عن مهامها الأمنية والنظامية، لتصبح أداة لإرهاب المواطنين وقمعهم من أجل إثارة الفوضى والوصول إلى النتائج المطلوبة.
يعتمد هذا الجيل من الحروب على منظمات المجتمع المدني بشكل أساسي، والمعارضة وتكتلاتها وفصائلها السياسية والعسكرية أحياناً، والمنظمات الإرهابية، لتنفيذ مخططاتها وتحقيق غاياتها تحت ذريعة الديمقراطية، ودعم الحريات، وحقوق الإنسان، وتغذية الصراعات الداخلية وتأجيجها، باستغلال الاختلاف والتنوع في المجتمع عرقيا وطائفيا وأيديولوجيا.
حروب الجيل الرابع واقع نعيشه، ولكننا لم نفكر كيف نواجهها أو على الأقل كيف نحمي أنفسنا ونحصن مجتمعاتنا من هذه الحروب، لا توجد دول ولا حكومات في مأمن من تلك الحروب، فمنذ ظهور الإنترنت، أصبح العالم قرية صغيرة، من السهل أن تغزو دولاً وتسقط أنظمة وتنشر الفوضى في مجتمعات خلال بضع ساعات، وبواسطة جهازك المحمول، يمكنك الوصول إلى أكبر عدد ممكن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما تستطيع أن تغزو الدول والأنظمة دون تحريك جندي واحد.