محاربة الفساد ومكافحته من الواجبات والضروريات التي يجب تفعيلها لبناء الدولة ودعم اقتصادها وتطوير بنيتها ، فالفساد كالسوس ينخر في اقتصاد الدولة ويفتك بها ويقودها إلى السقوط في مستنقع الأزمات الاقتصادية والمالية ، ومحاربته يجب أن تتصدر قائمة أولويات الدولة بكل دوائرها ومؤسساتها وقطاعاتها المختلفة ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية بغية الوصول إلى يمن خال من الفساد تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، ككيان حكومي يتبع رئاسة الدولة مهمته محاربة الفساد وتجفيف منابعة واستئصال شأفته بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة ، والمشكلة أن هذه الهيئة ظلت وما تزال غائبة عن المشهد ، وما يزال دورها باهتا ، وكأنها غير معنية بمحاربة ومكافحة الفساد ، ولا نعلم هنا ما هو سر هذه السلبية المفرطة ؟! وما الذي يحول دون قيامها بمهامها ومسؤولياتها المنوطة بها ؟!
فلم نسمع عن مسؤول فاسد قدمته الهيئة للمحاكمة طول هذه الفترة ، رغم أن قيادة الهيئة وأغلب أعضائها من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والوطنية ، فأين يكمن الخلل ؟! ..قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي شدد على ضرورة محاربة الفساد والفاسدين ، والرئيس مهدي المشاط هو الآخر حث على محاربة الفساد والفاسدين ، والحكومة وضمن برنامجها الحكومي خصصت لهذا الجانب حيزا من اهتماماتها ، وكنا نأمل أن تصب كل هذه الجهود في قالب واحد يثمر في محصلته النهائية عن نتائج إيجابية تحد من الفساد وتكبح جماح الفاسدين ولكن الحاصل أن هذه التوجهات الحكيمة والمسؤولة تلقفها بعض المفسبكين والمفسبكات وعملوا على تطبيقها بطريقتهم الفيسبوكية ، هذا ( زعلان) من هذا المسؤول ، وذاك توقفت مصالحه في هذه الوزارة أو تلك ، أو في هذه المؤسسة أو تلك ، أو في هذا المكتب، وعلى الفور يباشر هجومه على هؤلاء المسؤولين متهما إياهم بالفساد والعبث بالمال العام وغيرها من الاتهامات الباطلة من باب النكاية وتصفية الحسابات والضغط عليهم لتمرير أجندتهم ومصالحهم ، ومن النادر أن نشاهد أو نقرأ اتهامات موثقة بالأدلة ، وهذا لا يعني أننا ضد الرقابة الشعبية ، بل على العكس من ذلك تماما ، نحن ندعمها ونشجعها ونحث عليها ، الرقابة المنضبطة المسؤولة الخالية من التدليس والتلبيس وتصفية الحسابات والمناكفات والسجالات ذات الأبعاد المختلفة ، الرقابة التي تكون عونا لهيئة مكافحة الفساد وللجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولكل الجهات المعنية بالحفاظ على المال العام ومكافحة الفساد ومحاربة الفاسدين .
هناك جهة رسمية معنية بالرقابة والمحاسبة على أداء الوزارات والمؤسسات والمكاتب الحكومية وهي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، وهناك جهة حكومية معنية بمكافحة الفساد هي الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ، وعلى هاتين الجهتين القيام بواجباتهما ومسؤولياتهما بكل شفافية ومصداقية دونما محاباة أو مجاملة أو استثناءات ، وعليهما مكاشفة الشعب في حال تعرضهما لأي مضايقات أو تدخلات تحول دون قيامهما بذلك ، المهم لدى المواطن أن يرى أثرا لهما ولعملهما ، التراشقات والمناكفات والسجالات والاتهامات المتبادلة على شبكات التواصل الاجتماعي لا تسهم في مكافحة الفساد ولا في محاسبة الفاسدين .
بالمختصر المفيد ،علينا أن نتحلى بالوعي في هذا الجانب وأن نستشعر خطورة المرحلة وحساسيتها المفرطة وأن نبتعد عن توجيه الاتهامات جزافا ، وأن نكون على بصيرة وتحقق من كل ما ننشره ، فالمسألة ليست عبارة عن تسلية وإضاعة وقت ، الفساد والفاسدون يجب أن يكونوا أعداء لكل اليمنيين ، من خلال الجهات ذات العلاقة ، ومن الخطأ أن نجعل من ذلك سبباً لشق الصف الوطني وتفكيك الجبهة الداخلية وخدمة قوى العدوان ، لمجرد خلافات ومصالح شخصية ، هناك عدو لدود يجب أن نوجه سهام نقدنا وهجومنا نحوه ، ولنترك الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد للجهات الحكومية المختصة ، لكي لا يزيد الماء على الطحين ، مع ضرورة مراعاة عدم ترك الحبل على الغارب لهذه الجهات من قبل السلطات العليا ، وإحاطتها بالمتابعة والتقييم لمستوى الأداء وتنفيذ ما يرد منها من تقارير وتوصيات ، حينها فقط سنكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو الوصول إلى الغاية والهدف الأسمى “يمن خال من الفساد” بإذن الله وتوفيقه .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.