قبيل الحرب العالمية الأولى، كادت اليمن تُصبح مستعمرة تابعة للحكومة القيصرية الألمانية، وسبق ذك تعرض اليمن لحملات غزو برتغالية وهولندية وفرنسية وعثمانية وانجليزية، وقد تضاعفت أهمية اليمن الجغرافية منذ شق قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر. حيث تميزت هذه الحقبة التاريخية من عمر شعبنا اليمني، بالمواجهة الباسلة لمختلف الحملات الاستعمارية وكان اكثرها شراسة مواجهة الاستعمار العثماني والإنجليزي والحملات التوسعية التي قامت بها الوهابية السعودية المدعومة من الانجليز.
في غمرة النضال التحرري اليمني ضد العثمانيين، كانت الدول الاستعمارية تترقب ثورة الشعب العربي الأولى، بريطانيا تتابع الأحداث من عدن، وفرنسا من جيبوتي وايطاليا من إرتيريا، وكانت كل هذه الدول كانت ترى في سقوط الامبراطورية العثمانية فرصة لمد جسورها التوسعية في اليمن والمنطقة، على عكس موقف المتفرج كانت الامبريالية الألمانية تقدم الدعم السخي للعثمانيين وتدرب الجيش العثماني وتمد حملاته العسكرية العديدة الى الوطن اليمني الذي تعود أبناؤه على دفن الغزاة.
كان الموقف الألماني الداعم للاحتلال العثماني نابعاً من حقيقة ان أن تركيا العثمانية باتت في طريقها لتتحول مستعمرة ألمانية، اقتصاديا وعسكريا، فقد كانت ألمانيا تهيئ نفسها لوراثة الإمبراطورية العثمانية، تركة الرجل المريض!
اتخذت ألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى سياسة الاندفاع نحو الشرق، ومن خلال دعمها وتعاونها مع المحتلين الأتراك، كانت الإمبريالية الألمانية تأمل فرض مشاريعها التوسعية الخاصة في اليمن. وانسجاماً مع السياسة العدوانية الألمانية، قام البنك الألماني بتمويل مشروع سكة قطار من الحديدة الى صنعاء، متصل بخط قطار الحديدة بغداد الحجاز، وذلك لتسهيل مرور الحملات العسكرية العثمانية الى المناطق الجبلية الشمالية، ومقابل ذلك طلبت المانيا القيصرية من سلطة الاحتلال العثمانية السماح لها بإقامة قاعة بحرية لأسطولها في الحديدة أو المخاء.
كانت القوى العسكرية الاحتكارية الألمانية تنوي إخضاع جميع أراضي الإمبراطورية العثمانية بما في ذلك اليمن، لهذا فقد ادت القيصرية الألمانية مشروع الهجوم العثماني لانتزاع عدن من الامبريالية الإنجليزية فقد اعتبرت ألمانيا ان السيطرة على عدن تتيح لها إمكانية التحكم في البحر الأحمر والمحيط الهندي وقطع خط الاتصال بين الهند واستراليا وجميع مستعمرات بريطاينا، إلا أن هذا الهجوم العثماني فشل في نهاية الأمر وتوقف في لحج بسبب أن الوضع الاستعماري للإمبراطورية العثمانية كان قد أصبح مترهلاً لا يؤهلها للمنافسة الاستعمارية مع الامبريالية البريطانية الصاعدة.
تضافرت المصالح الاستعمارية العثمانية الألمانية في مواجهة الثورة التحررية اليمنية، غير ان تنامي كفاح الشعب اليمني بين عامي 1904م و1905م أحبط مشاريع ألمانيا التوسعية في اليمن، وكبح جماح احلامها التوسعية، ولم يتبقى منها سوى بقايا لعجلات ذلك القطار في المتحف العسكري بالعاصمة صنعاء.
اشتركت في حروب التحرير اليمنية ضد العثمانيين المدعومين من ألمانيا كل طوائف الشعب اليمني، فكما هب الزيود الى الكفاح الاحتلال العثماني، فقد هب الشوافع أيضاً. فمن عسير وتهامة انطلقت عام 1911 موجة جديدة من الكفاح التحرري قام بها الشوافع بقيادة الشيخ المتصوف السيد محمد علي الادريسي، ووصلت باندفاعها وعنفوانها الى ابها الحصينة عاصمة إمارة عسير، فأصبحت تحت رحمة المقاتلين اليمنيين، فقد طوقها اليمنيون من كل الجهات وعزلوا الجيش العثماني في عسير عن المدد. وفي ذات الوقت فقد كانت القوات العثمانية في صنعاء تعاني حصاراً شديداً ضربته من حولها القبائل الزيدية بقيادة الإمام يحيى حميد الدين، فور قيامها بانتفاضة ثورية شملت المناطق الجبلية كلها.
كان تنسيق الكفاح التحرري بين الطائفتين الرئيسيتين المتعايشتين في اليمن، وشنهما معاً كفاحاً مسلحاً ضد الاحتلال العثماني، من اجل حرية واستقلال اليمن والقضاء على الاضطهاد الاستعماري. كان ذلك بداية تخلق الحركة الوطنية اليمنية واندماجها التام، وهو الاندماج الذي تحقق عملياً بشكل تقدمي في ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين.
برهنت الانتصارات العسكرية العديدة التي حققتها الحركة الوطنية اليمنية والشعب الواحد بتنوعه المذهبي على ان تحطيم الحكم العثماني وإقامة دولة يمنية موحدة ذات سيادة أمر ممكن موضوعيا، غير أن طموح محمد علي الإدريسي إلى إقامة دولة خاصة في جزء من اليمن قد أدت لتصدع هذه الجبهة الوطنية اليمنية التي تمثلت جبهة الكفاح الموحد.
صدعت مشاريع الإدريسي الخاصة من وحدة الجبهة الوطنية اليمنية، فأدى ذلك إلى انعكاسات خطيرة، فمن جهة ذهب الإمام يحيى عام 1911 إلى صلح دعان لعقد اتفاقية مع العثمانيين بموجبه حصل الإمام يحيى على الاعتراف العثماني بالاستقلال الذاتي لسلطة الإمام على شرق شمال اليمن كسلطة روحية اكثر منها سياسية. ومن جهة أخرى فقد أرتمى الادريسي تماماً في حضن الاستعمار الايطالي الذي كان يرى في تهامة اليمن الأرض الخلفية لمستعمرته في ارتيريا، وبمساعدة الايطاليين استطاع الإدريسي في العام 1913 من إقامة أساس إمارته في صبيا وأبو عريش بعسير تهامة، الذي ابتلعها بني سعود في عام 1934م.
وإذا كان الإدريسي قد استمر بعلاقاته مع الاستعمار وتحالف لاحقاً مع الانجليز وبني سعود، إلا أن الإمام يحيى الذي عقد صلح دعان مع الأتراك ما لبث ان هب مرة أخرى لقيادة الشعب اليمني في خوض معركة التحرر حتى تم تصفية الوجود العثماني من اليمن، وبناء أسس الدولة الوطنية اليمنية الحديثة.