التهدئة اليمنية السعودية غير المعلنة والتي استمرت لحوالي 4 أشهر انتهت عمليا وبقي أن نسمع أصوات الجولة المقبلة من التصعيد، ولكن أين وكيف ومن الخاسر إذا عادت العمليات العسكرية التي ستكون مختلفة تماما عن سابقاتها ومن أطرافها هذه المرة؟
المبعوث الدولي لليمن مارتن غريفث أخطأ ولا نعلم على ماذا استند عندما قدم في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي الخميس الماضي 16 يناير أنه حقق تقدما خلال تحركاته الأخيرة ولقاءاته بمختلف الأطراف، على أننا كنا ننتظر أن يقول العكس تماما فكل المؤشرات الميدانية والسياسية والإعلامية تنذر بانهيار التفاهمات غير المباشرة التي جاءت نتيجة المشاورات السرية التي كانت تجري في العاصمة العمانية مسقط منذ مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى في العاصمة صنعاء المشير مهدي المشاط في 20 سبتمبر، وأن التصعيد على الأبواب، وربما كان على مارتن غريفث أن يطلب من المجتمع الدولي المساعدة في احتواء حرب أشرس ستعود قريبا.
لقد قال غريفث وبالحرف أن 80 % من الغارات الجوية والعمليات العسكرية توقفت ولكنه لم يذكر أن أسباب ذلك انتهت وأن عودتها محتملة ومحتملة جدا وبالتزامن مع تصعيد إقليمي ودولي والحرب في اليمن جزء كبير ورئيسي وفي قلب المحورين، والغريب أنه أشار إلى تحقيق إنجاز له علاقة بما أطلق عليه "تحييد اليمن" من الصراع الإقليمي والدولي!
لست هنا بصدد مناقشة الإحاطة الأخير لمبعوث الأمين العام للامم المتحدة، ولكن من المهم الإشارة إلى ذلك والتوقف عنده لأن ما سيحصل ويتحرك حاليا هو عكس الإحاطة تقريبا بشكل قاطع، وعلينا التوقف عند ثلاث نقاط مهمة قبل الدخول إلى المستجدات الأخيرة الأكثر وضوحا على اقتراب ما اطلقت عليه صنعاء بالوجع الكبير في إشارة إلى العميات العسكرية المقبلة من جانب اليمن.
النقطة الاولى أن العميد يحيى سريع المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية هدد نهاية العام الماضي 2019 باستهداف 6 أهداف بالغة الأهمية في العمق السعودية و3 أهداف في الإمارات بهجمات صاروخية وتوسيع دائرة الأهداف لتشمل مراكز حيوية واستراتيجية، وربما على غرار أرامكو.
هذه اللغة التحذيرية عززها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير عندما نصح السعودية والإمارات بالخروج من الحرب العدوانية على اليمن في سياق دعوته لتوحيد محور المقاومة للرد على الهجمات الأمريكية التي تستهدف دول المحور وآخرها اغتيال القائدين سليماني والمهندس في العراق بأوامر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومشاركة اسرائيلية لا تزال تداعيات هذا الاغتيال قائمة.
النقطة الثانية تتعلق بتسريع السعودية لتوقيع التأسيس لما يسمى الدول المشاطئة للبحر الأحمر والتي تشمل السعودية ومصر والسودان وارتيريا وجيبوتي واثيوبيا والصومال والأردن، وهو التجمع الذي تعمل الرياض على تجميعه منذ 2017 وربما قبلها.
صحيح أن هذه الخطوة لها علاقة بمواجهة دول اخرى مثل تركيا وايران ، ولكن لا يمكن استبعاد دفعه للانخراط في أي عملية تصعيدية قادمة ضد اليمن تحت عنوان حماية الأمن البحري والاستراتيجي لهذا التجمع خاصة أن معظم هذه الدول منخرطة وضمن التحالف الذي تقوده السعودية منذ 2015، واللافت وهي سابقة ربما في تاريخ الدول المشاطئة للبحر الأحمر أن كيان العدو الإسرائيلي جزء من هذا التجمع وإن لم توجه له دعوة للاجتماع، وقد سبق وأن جرى الحديث سعوديا واسرائيليا عن اشراك الكيان بصورة رسمية، وهناك نقاط تفصيلية أعلنها الجنرال السعودي أنور عشقي خلال لقاءه في العام 2014 بأعضاء بارزين في المخابرات الإسرائيلية نوقش في هذا الاجتماع دور الكيان ضمن التجمع.
النقطة الثالثة والأخيرة في هذا الجزء، الاعلان الفرنسي والسعودي عن نشر رادارات فرنسية على الأراضي السعودية مؤخرا لتعزيز دفاعاتها الجوية، وهي خطوة لم تكن مفاجئة ولكن توقيتها يتضمن المخاوف السعودية من تكرار هجمات أرامكو التي لم تتعافى حتى الآن بصورة كاملة، وهذه المخاوف تفسر من محورين: الأول استعدادا لأي حرب اقليمية مستقبلا بين الولايات المتحدة الأمريكية وايران وحلفائها، والثاني الاستعداد لأي تصعيد مع اليمن في الحرب المفتوحة منذ خمس سنوات.
بالعودة إلى التحركات العسكرية والسياسية التي تنذر بتصعيد محتمل وانتهاء حالة اللاحرب واللاسلم التي سادت خلال الـ 4 الأشهر الماضية ، فإن التسخين للجولة المقبلة بدأت فعليا فحكومة العاصمة صنعاء بصدد إعلان انتهاء الفترة المحددة لقبول الرياض مبادرة الرئيس المشاط والتوقف كليا عن العمليات العسكرية والغارات الجوية ورفع الحصار والانخراط في مفاوضات سعودية يمنية جادة، وهو ما امتنعت عنه السعودية بصورة عملية مع تجاوب صوري واللعب على الوقت وتنفيذ غارات بين الحين والآخر وتشديد الحصار والاعتماد بصورة أكبر على الحرب الاقتصادية، في حين توقفت اليمن عن استهداف السعودية والرد بالمثل حفاظا على استمرار بقاء مبادرة المشاط.
هذا الوضع ليس مقبولا يمنيا ويشكل ضرارا بالغا ولا بد من كسر هذا الجمود بوضع السعودية مجددا في دائرة الاستهداف بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وتحريك العمليات العسكرية على الحدود وفي الداخل لدفع السعودية للخروج من الحرب وبالتالي فإن التصعيد حاجة يمنية وهي الطريقة الوحيدة لوضع السعودية أمام خيارين، إما السلام الجاد للبلدين أو استمرار الحرب وعدم الاستقرار في البلدين.
الأمر الأهم أن هناك عامل استراتيجي عسكري وسياسي لا يمكن تفويته ويتعلق بالإرباك الذي تعيشه السعودية بعد أن فقدت الكثير من الحلفاء المحليين والاقليميين وتراجع دور الإمارات العسكري ومؤخرا انسحاب الجزء الأكبر من القوات السودانية التي كانت تشارك ضمن التحالف في الساحل الغربي، وانشغال السعودية بمحاولة تنفيذ اتفاق الرياض في المحافظات الجنوبية اليمنية بين قوات عبدربه منصور وحلفائه من جهة والمجلس الانتقالي المحسوب على الامارات من جهة مقابلة بعد أن تعرضت هذه الجبهة لزلزال كبير جراء دخولها في صراع دموي في اغسطس العام الماضي، تجد العاصمة صنعاء أن تجميد العمل العسكري في هذه الحالة يخدم الرياض ويترك لها فرصة للخروج من أكثر من أزمة.
النقطة الأخيرة علاقة اليمن حاليا بمحور المقاومة والمعركة الاستراتيجية لإخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، وهي استراتيجية تجاوبت معها اليمن بشكل مطلق وأعلن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن ذلك يجب أن يلتقي عليه كل الأحرار الذين تضرروا من الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
يتطلب هذا التموضع وهو تموضع شبه معلن المشاركة في تقويض الوجود الأمريكي باستهداف حلفائها وإضعاف الدور الأمريكي في العدوان على اليمن، التمركز في هذه الاسترايتجية بالنسبة لصنعاء يمنحها أوراق قوة إضافية، أولها أن استهداف السعودية أمر مشروع باعتبار أن هناك حرب مفتوحة معها وإذا أرادت وقف الهجمات فعليها الخروج وإغلاق هذه الحرب دون شروط، بالتالي هي فرصة بالنسبة لليمن ومأزق بالنسبة للسعودية.