لم يعد يسمع سوى صوت النيران و أزيز الطائرات و الانفجارات.
- هل تبقى لنا شيء من الذخيرة
- لم يبق شيء ، لكن إن أردتم ان تكتبوا فلتفعلوا عله يصل الى ذويكم.
أمسك بالقلم حين تزاحمت آلاف المشاعر، الا أن القلم لم يطاوعه بالكتابة فظل جامدا تائها لفترة ، فأملى قلبه للقلم و خط أسطره هذه:
( لا تجزعي إن وصلتك رسالتي ملونة بالقاني من دمي و اعلمي ان روحي قد سافرت حيث أرادت دائما أن تكون، اطبعي مني قبلة على جبين أمي الحبيبة و اسألي قلبها الطاهر أن يغدق علي بفيض دعائها الذي لطالما كان الأحب إلى قلبي، و أن تعطر ذكري بالقرآن في كل حين.
سيكون ذكرى مولد غاليتي حنان قد اقترب، تمنت مني ان اشتري لها لعبة أعجبتها ذات مرة، فحقا فعلت لكني أخفيتها بخزانة الملابس لتكون هديتي لها في يوم ميلادها، قدميها لها و قبليها مني و ذكريها بأن بعدي عنها كان لتلبية نداء الواجب حيث قد حدثتها يوما فتفهمت و أرسلت دعوة من قلبها الصغير و قالت و هي تنظر الي بابتسامة و ترفع كفيها الصغيرين: ( يا رب احفظ أبي ، فأنا أحبه كثيرا) ،
بلغي محمد مني أنه صار سندك و هو من أعتمد عليه بعد الله، صحيح أنه لا زال صغيرا لكن فيه من النباهة و النجابة ما يوذن بأنه سيكون خير خليف لي و حري أن يتحمل المسئولية بعدي، عزيزتي لا تجعلي للحزن منفذا الى قلبك و لتتصبري و لتجعلي الذكر زادك و القرآن أنيسا و صاحبا لك في كل آن، و لتوقني أني نلت ما صبت نفسي إليه من الكرامة، و أي شرف أعظم في سبيل دفع الضيم و ردع الطغاة من أن يدنسوا أرضنا برجسهم، ستبقى روحي في اتصال بكم و ستجدونها ترفرف حولكم دائما، أسأل المولى أن يبلغني المرام بجوار خير الخلق و آله الكرام، ثقي بأن المولى سيكون خير وكيل و معين لكم،،،
أريد أن أكتب و أكتب و أكتب لكن الأصوات اقتربت أكثر و المنية أزفت و الشهادة نادت
فلك مني يا زوجتي الغالية كل المحبة و لقلبك الصافي أزكى السلام،،،)
بعينين دامعتين و قلب يمزقه الألم انتهت من قراءة الرسالة.....
احتضنت طفليها، ثم بسطت كفيها و أرسلت الى السماء خالص دعائها له.