ليست أول ولا آخر الأوراق التي تكشف تعرض اليمن للخيانة من قبل “شلة” الفساد.. وطبعا هناك من لن يصدق حتى لو رأى بعينيه، والسبب أن هذه الملفات تحمل الكثير من الحقائق التي تفوق الخيال! ولن يفهم أي مواطن يمني مدى ما وصل إليه البعض من السقوط في مستنقع الخيانة، خاصة وهؤلاء وبمساعدة مستشاري الدعاية قد ملأوا الدنيا صخبا وفي كل مناسبة وهم يتحدثون عن الوطنية والجمهورية والمنجزات …..الخ لقد كان سراً بحق، وربما هذا ما يفسر قيام حكومتنا بكشف الأوراق بالتدريج، وذلك لمنع انصدام الناس بالحقيقة فجأة لما كان يجري خلف الكواليس من قبل بعض معدومي الضمير الذين تسلطوا على رقاب الناس ردحا من الزمن.
بالنظر لما تم الكشف عنه اليوم، وبمراجعة الكثير من الوقائع والأحداث التي تلت، نجد أن كل شيء أصبح مفهوما ومنطقيا. نحن بحاجة لأن نكون منطقيين في تحليلنا للمعلومات حتى نصل لاكتشاف الحقيقة، فكما نعلم جميعا بأن جهاز الأمن القومي سابقا كان يحظى بدعم جهات خارجية أهمها الولايات المتحدة الأمريكية، وكلنا سمعنا أن معايير الانضمام والتدريب والتسليح كانت أمريكية بامتياز، وهناك تصريحات حكومية تحدثت عن هذا الجانب في تلك الفترة تحدثت عن تعاون بين حكومة اليمن في حينه وحكومة البلد “الصديق” كما أطلق عليها في تلك الفترة “أمريكا”!!
علاقة عمار صالح كانت أيضا معروفة بهذا الجهاز، وكانت تحركات السفارة الأميريكية في صنعاء تشير إلى زيادة نفوذها في اليمن، كما أن عفاش وحكومته كانوا قد حاولوا جاهدين ألا يكون مصيرهم كمصير حكومة صدام في العراق، لذا فقد اندفعوا في تعاملهم مع الأمريكيين. ومن ناحية أخرى كانوا بحاجة الغطاء الأمريكي لضرب حزب “الإصلاح” الذي بات ينافس حزب عفاش في تقاسم النفوذ في معظم المناطق حتى وصل للمنافسة على كرسي الرئاسة نفسه، وكان عفاش لا يفوت مناسبة لتحريض الأمريكيين على “الإخوان” الذين ازداد جشعهم ونفوذهم.
كان اليمن يمر بمرحلة العشر سنوات التي مر بها النظام العراقي، وتدريجيا كانت حكومة عفاش تتخلى عن سلاحها طواعية وليس عبر الأمم المتحدة، وكانت القبضة الأمريكية تشتد ببطء والنظام يداهن بعدما رأى أنه كلما ازداد خضوعا يتقلص نفوذ “الإخوان” أيضا، ولكن “الإصلاح” لم يسكت وبدأ يلتقي بالأمريكيين أيضا، ولعب الأمريكان لعبة التوازنات مستغلين هذا التنافس حتى يزداد نفوذهم، وبدأوا يطلبون طلبات لم يكونوا يتجرأون على عرضها بوضوح في السابق.
تتوالى الأحداث، ولنا أن نعود لأرشيف تلك الأيام لمعرفة المزيد عما كان يجري وصولا للعام 2011م وما حصل فيه من تداعيات هذا التنافس حتى وصول الدنبوع لكرسي الحكم، بعدها تم استكمال المشروع الذي استهدف الدفاعات الجوية بنقل معظم بطاريات الدفاع الجوي وتدميرها، ورفض صفقة شراء دفاعات جوية حديثة من ألمانيا رفضها عفاش سابقا، وازدياد حوادث غامضة أدت لسقوط الطائرات الحربية، ثم استهداف عناصر الأمن والجيش وأهم كوادر الدفاع الجوي لعل أبرزها قيام عناصر القاعدة بتفجير الحافلات التي تقل جنود وضباط القوات الجوية، واغتيال عناصر جهاز الأمن السياسي للتغطية عما كان يجري.
لقد كان نظام العمالة غبيا إلى حدٍ كبير، فقد كان همه تهريب ما تم نهبه من أموال للخارج، والاستعداد بعدها لحرق كل شيء، ولكن ما فعله الأمريكيون خلال تلك السنوات كان يشير بالضبط لما سيأتي بعده من عدوان كان مازال يخضع للتخطيط في حينه، أما النظام الساقط فكان يراهن على أن الأمريكيين لا يمكن أن يقبلوا بالإخوان، وهذا ما كان يهمه في حينه، حيث كان يعد أحمد عفاش ليكون البديل حيث قدمه كشخص قابل للتعاون مع الأمريكيين وحلفائهم الخليجيين، ولم يكن يهتم بالثمن الذي يمكن للشعب والبلد أن يتحمل نتيجة هذا الطموح المجنون، لذا لم يستوعب أن الأمريكيين هم من دبروا محاولة عملية اغتياله بالتعاون مع “الإخوان” الذين اعتبرهم النظام الأمريكي أكثر فائدة من النظام المتهالك في المرحلة القادمة.
كانوا يسيطرون على كل شيء، ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين، وقد أتت ثورة الحادي عشر من سبتمبر لتصحح ما أفسده التنافس بين حزب عفاش والإخوان، وتمت محاولة تسوية الأوضاع باتفاق السلم والشراكة الذي لم يرض السعودية والأمريكيين، لذا اندلع العدوان الذي أعلن عنه من واشنطن بعد أن تم تجريد اليمن من الدفاعات الجوية، وهيكلة الجيش الذي بات ضعيفا ومرشحا لسحب ما تبقى من سلاحه، وكانت التوقعات أن العدوان سيتمكن من حسم المعركة خلال أسابيع فقط!
لكن بفضل الله ورعايته واستنفار الرجال الأحرار وصمود الشعب استطاع اليمنيون استيعاب الصدمة والصمود والرد أيضاً، وهاهم بعد مرور خمس سنوات يعلنون عن أنظمة دفاعات جوية محلية مجربة وقابلة للتطوير ردا على عدوان غاشم اعتمد على القوة الجوية أولاً لتدمير وإخضاع البلد، وعما قريب بإذن الله سيتم إيقافه عند حده وقطع دابر العدوان ومرتزقته نهائيا، وسينقلب السحر على الساحر.. سلمت أيادي قواتنا المسلحة ولجاننا الشعبية التي اجترحت المستحيل وباتت تنتج وتصنع وتطور سلاحا قادرا على ردع المعتدين على شعبنا وبلدنا، ولا نامت أعين الخونة والعملاء.