الهجرة.. معظمنا في مرحلة ما كنا نحلم أن نهاجر حتى نستطيع تحقيق أحلامنا التي لم نستطع تحقيقها في بلدنا. كانت فترة صعبة حيث أحال بعض الفاسدين الواقع إلى كابوس، عندها كنا نلجأ للأحلام. كان الأفق مسدودا، وكان التفكير في حياة طبيعية نوعاً من الترف، في ظل ارتفاع الأسعار، وازدياد المشاكل، وسقوط الأخلاق، وانهيار القيم، وتفشي الفساد… كل هذا جعل الكثيرين يفكرون بترك أهلهم ووطنهم خلف ظهورهم، وليحزموا همومهم وأمنياتهم في حقائبهم ويهاجروا. إلى أين؟! لا يهم طالما وأنت تبتعد عن كل هذه الضغوط والمشاكل التي أكلت سنين عمرك، فمن يشاهد وجهك يظن بأنك رجل طاعن في السن، أو كهل في أرذل العمر!
ماذا وجد أولئك الذين اعتقدوا أنهم من المحظوظين بعد تلك السنين؟! أنا لا أبالغ لو كنت تعتقد ذلك وأنت تقرأ هذا المقال. يكفي أن تسأل أولئك الذين عادوا من رحلة الغربة عما جنوه بعد كل تلك السنين! ستسمع العجب صدقني، وأفضل واحد فيهم سيخبرك أنه فقد نفسه وهو يحاول أن يشتري تلك الأحلام التي حملها معه عندما رحل، والاستثناء الوحيد ربما هم أولئك الذين استطاعوا أن يحصلوا على علوم كانت غير متاحة في بلدهم.. البقية يتشابهون في بعض الأمور التي حملوا ذكراها معهم أثناء عودتهم إلى بلدهم وأهلهم.
العبودية.. خاصة إذا هاجرت إلى بلد عربي! ومن المؤسف أنك أذا سافرت إلى بلد أجنبي فأنك تشعر بالدونية فقط، بينما تعاني من مشاعر أسوأ في بلاد العرب! أما الأجانب فإن نظراتهم المليئة بالكراهية كفيلة بجعلك تحس بالكراهية الشديدة لمن أجبرك على الهجرة، لذا فليس من المستغرب أن تجد هؤلاء الذين هاجروا أكثر الناس كرها للفاسدين هنا، لأنك هناك تستطيع أن تشاهد الأمور بوضوح وأنت تقارن وتفكر فيمن تسبب بتهجيرك.
الأغلال.. أي مغترب أو مهاجر كان يحس بأنه مستضعف، خاصة في تلك البلدان التي لديها قوانين صارمة فيما يخص المهاجرين، وعندما يتعلق الأمر بأسرتك فإنك بالتأكيد كنت ستتمنى أنك تركتهم هناك في بلدك، فاحتمال بعدك عنهم حينها يكون أخف وطأة عليك من الخوف الدائم عليهم من الضياع في بلاد الغربة. هناك قوانين في بعض البلدان تسمح لحكوماتها بأخذ أبنائك منك إذا ما حاولت أن تحميهم من الفساد الأخلاقي! وربما تتذكر بشجن تلك الأيام التي كان أبوك (يربيك) دون أن تكون هناك قوة على الأرض تمنعه من ذلك!
صفر اليدين.. هناك عدد كبير من المهاجرين عادوا إلى بلدانهم بلا أي مدخرات، خاصة أولئك الذين كان حظهم السيئ أن يعملوا في بلاد الخليج، فقد عادوا وقد خسروا سنوات من أعمارهم، وآثار لا تمحى من الألم والتعب واحتمال المعاملة التي لا تليق بالبشر. بعضهم فقد نفسه، وبعضهم فقد طيبة أهله، فإذا به يعود وهو يحس بالغربة بين أهله، فيعود بعدها ليجد أنه لا طريق أمامه سوى أن يعود للغربة مجددا، فلم يعد له مكان بين أهله بعدما صار مختلفا عنهم! حتى المال لا يستطيع أن يشتري مشاعر الألفة التي كان يحس بها قبل أن يهاجر..
الأمل.. يقول المثل (يا باني في غير بلدك، لا لك ولا لولدك). نحن على أعتاب مرحلة جديدة، حيث يمكنك أن تنشئ مشروعا بمدخراتك دون أن يشاركك شيخ أو متنفذ تحت مسمى “حماية”. هنا في بلدك بين أبناء شعبك الذي لن تجد أطيب منه. ربما لم تتضح الصورة للكثيرين بعد، لكن هناك من بدأ مبكرا وهو يشعر بالتفاؤل من الوضع الجديد، وها نحن نشاهد الاستثمارات العقارية كأضمن وأبسط أنواع الاستثمارات وهي تنتعش، وكم نأمل أن يلتفت أصحاب رؤوس الأموال للاستثمارات الأخرى كالصناعة والزراعة.. الخير وصال بإذن الله، وبلادنا تزخر بالخير الوفير، المهم أن نعتصم بالله وندافع عن حقوقنا في أن نستقل ونبني ونزرع وننتج.. ودمتم بود.