في 20 أكتوبر 1977م أعلن وزير الطاقة الأمريكي جيمي شليزنجر أن الولايات المتحدة ربما يتعين عليها اللجوء في يوم ما إلى حماية مصادر البترول في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ على الشعب الأمريكي أن يقدر الحاجة لضمان نوع من الأمن الفعلي لتلك المصادر، وهي الحاجة التي يمكن وصفها بأنها ضرورة عسكرية.
منذ ثمانينات القرن الماضي، ومع ظهور ملامح انهيار النظام السوفياتي ساد خيار الهيمنة في أوساط الطبقة الحاكمة الأمريكية، بجناحيها الديموقراطي والجمهوري، وانحازت أميركا المأخوذة بنشوة قوتها إلى تأكيد هيمنتها عبر استراتيجية عسكرية صارمة للسيطرة على العالم.
وبدأت واشنطن مخططها لخوض حروب لا نهائية قامت بإقرارها، والتخطيط لها بسلسلة من التدخلات العسكرية منذ العام 1990 في كل من الخليج، ويوغوسلافيا، وآسيا الوسطى، وفلسطين، ولبنان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن.
تعاظمت النزعة الاستعمارية الأمريكية منذ ثمانينات القرن الماضي وخاصة تجاه العالم العربي الإسلامي وذلك من بعد تفردها كقطب واحد دون منافس في الساحة الدولية، إلا أن المطامع الأمريكية قديمة، فقد أعلن الرئيس أيزنهاور في عام 1951 ما يلي “ليس هناك- في ما يتعلق بالقيمة الخالصة للأرض- منطقة في العالم أكثر أهمية من الشرق الأوسط، فهذه المنطقة عظيمة الأهمية لما يمكن أن تساهم به في مجهودنا كله”.
وفي إطار هذا الهدف الاستعماري وفرت السياسية الأمريكية الذرائع المطلوبة للتدخل العسكري، وهي الذرائع التي تراوح بين مواجهة الإرهاب والتصدي لتجارة المخدرات، وتوجيه الاتهامات بإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وهي ذرائع ملفقة ومُصنَّعة أمريكيا، حيث قامت الاستخبارات الأمريكية ببذل جهود مضنية من أجل صناعة عدو إرهابي وفق المقاسات الأمريكية، أمثال طالبان وبن لادن وتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
اما الاتهامات التي وجهت ضد كل من العراق وكوريا الشمالية بإنتاج أسلحة دمار شامل، فهي تظل مجرد دعاية مضادة لا قيمة لها أمام حقيقة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأسلحة المحرمة في هيروشيما وناكازاكي، واستخدامها السلاح الكيميائي في فيتنام، إضافة الى التهديدات الأمريكية المعلنة باستخدام الأسلحة النووية في الصراعات المقبلة.
إن مفهوم الحرب الوقائية الذي اختلقته أمريكا وحصرته على نفسها يُعد ضربة قاضية للقانون الدولي الذي يحظر اللجوء إلى استخدام القوة إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، كما يخضع أي تدخل عسكري محتمل من جانب الأمم المتحدة لشروط صارمة، فالرد يجب أن يكون محددا ومؤقتا، ويدرك جميع القانونيين والسياسيين أن الحروب التي انخرطت فيها الولايات المتحدة منذ 1990 غير شرعية والمسؤولون عنها هم مجرمو حرب.
يرى المفكر الاقتصادي الراحل سمير أمين “أن هذه الطبقة الحاكمة الأمريكية لا تعرف إلا هدفا واحدا هو جمع المال ، وفي سبيل ذلك فالدولة الأمريكية أعطت الأولوية المطلقة لتلبية متطلبات شركاتها الاحتكارية المتعددة الجنسيات”.
ومن وجهة النظر الأمريكية فجميعنا “شعوب هنود حمر جدد” أي شعوب ليس لها حق في الوجود إلا في الحدود التي لا تعيق توسع رأس المال الأمريكي العابر للحدود.
وتستخدم الولايات المتحدة شتى السبل لإخضاع مقاومة الشعوب، ولو وصل الأمر إلى قيامها بعمليات ابادة جماعية، فهي مستعدة للتضحية بملايين البشر مقابل تنامي أرباح شركاتها الاحتكارية العابرة للحدود، التي تمتص ثروات وعرق شعوب الأرض، ولم يعرف التاريخ البشري دولة مارقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
ما تقوم به الشركات الأمريكية العابرة للأوطان، ليس دمج المجتمعات الفقيرة بالنظام الرأسمالي عبر تطوير قطاعات الإنتاج في هذه البُلدان، بل يقتصر الأمر على نهب مواردها، واستغلال الأيادي العاملة الرخيصة فيها، والبحث عن ريع مالي إضافي من النفط، يفرض على الولايات المتحدة وضع الدول المنتجة للنفط تحت السيطرة والاستعمار الجديد، وهذا هو الدافع الحقيقي وراء الحروب الأمريكية في آسيا الوسطى ودول الخليج والعراق وليبيا ووراء الحملة العدوانية الجديدة على فنزويلا في عهد الرئيس مادورو، فمخطط السيطرة على النفط يعود إلى سبعينيات القرن الماضي.
كان الرئيس فرانكلين روزفلت – الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة عام 1933 – قد أطلق شعاره الشهير الذي يدعو الأميركيين إلى حمل عصاً غليظة، والتكلم بهدوء، والتوغل بعيداً في أعماق قارات العالم لاستعمارها! قال روزفلت بالحرف” إن قدرنا هو أمركة العالم، تكلموا بهدوء، واحملوا عصاً غليظة، عندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيداً”!
وعلى خطى روزفلت مشى الرؤساء الأمريكيون وصولاً إلى الرئيس الأمريكي دولاند ترامب، الذي قام مؤخراً بوضع قوات مسلحة إيرانية في قائمة الإرهاب لتكون المرة الأولى التي تصنف فيها قوات عسكرية نظامية كجماعة إرهابية، وإذا ما كان الرؤساء الأمريكيون السابقون يغلفون سياساتهم العدوانية بالديمقراطية وحقوق الإنسان فدولاند ترامب يظهر السياسة الإمبريالية الأمريكية كما هي في طبيعتها الرجعية والعدوانية والعنصرية.