أن تسمع وترى زوامل أنصار اللّه القتاليّة تصعّر خدّها للمحتلّ وتتحدّاه في جبهة حربيّة مقاوِمة تكسر الحصار الذي ارتآه العدوان لهذا الشّعب العظيم!!
نعم، كسرت زوامل (عيسى الليث) الحصار، ودون مفاوضات، ودون موافقة غريفيث، ورغما عن ترامب ونتنياهو وأزلامهم ومرتزقتهم ؛ فنسبة متابعي الزّوامل الأنصاريّة تتصاعد (عالميّا) يوما بعد يوم، وهذا يوحي بسرّ أصيل يكمن في تداعيات عدّة منها :
– الحاجة الرّوحية في ذات النّفس السّويّة لسماع غناء يهيب بالقيم ، وينقّي الرّوح ممّا علق بها من وسخ أغاني اليوم الهابطة كلمات ومعاني ؛ فالسّامع اليمني خاصّة وهو الذي يعيش عدوانا كونيّا عليه ما عاد يثق في وفاء ( بلقيس فتحي ) ولا في عشق (تامر حسني) فقد ملّ سماع كلمات وألحان عربيّة روتينيّة بعيدة كلّ البعد عن الواقع القيمي العربي الإسلامي ، وفي الجانب الآخر انّ أغاني اليوم ما عادت تلبّي وتعبّر عن العاطفة الجميلة الفطرية المهذّبة المشذّبة المتحتفظة بشيء من الأسرار عفّة وحياء ، وكذلك ما عادت تحفّز وتخصّب الخيال فتترك العنان للسّامع ليحلّق في فضاء الكلمات تحليقات رحبة طليقة واسعة اتساع المشاعر الإنسانيّة ؛ فقد خنق (الفيديو كليب) المشبّع بالإيحاءات الغرائزحيوانيّة كلَّ جمال يمكن أن يراه المتلقّي لو لم يوجد فيديو كليب ، وما أدراك ما في الفيديو كليب من حصر وقمع للخيال الإنساني، فهذه الكليبات أصبحت مصنّعة خصيصا لتقاتل الجمال والعفويّة والبراءة والطّهر والهويّة الإنسانيّة في ذوي النّفوس السّويّة من أيّ دين أو مذهب أو انتماء..
أغاني اليوم من أقوى الحروب النّاعمة التي فيها يركّزون على الجسد ويخاطبونه في حركة نحر له عن الرّوح ، وكثيرا ما تشعر النّفس بتقزّز واشمئزاز من كلمات الأغنية نفسها ؛ فهي كلمات باهتة ، ساذجة ، سخيفة تخاطب الغريزة كتلك القائلة : ” تعال يا ابن الحلال ” ، وطوال الأغنية وهي لا تخرج عن مناداة ابن الحلال ولا ندري هل للحلال أم للحرام تناديه ؟
وهنا فقد عافت النّفسُ المجونَ واللهو والبغي والبذاءة ، وعادت تحنّ للكلمة الصّادقة التي تنساب مع القيمة الإنسانيّة ؛ فالإنسانية قيمة عالمية مستديمة بينما الغرائزية حاجة مؤقتة تنتهي بقضائها ، وهذا ما يفتقره العالم في الفنّ المعاصر ، ويشتاقه العربي المأزوم بحكومات قمعيّة عميلة نأت به إلى مربّعات الشّقاء بعيدا عن المنهج الذي لن يسعد إلّا لو انتهجه وهو القرآن..
وفي تشعبات النّفس البشريّة المفطورة بحب كلّ ما يجذبها من جمال ، نراها تعشق الموسيقى وتطرب وتتراقص وتغني وتنفعل وتتفاعل مع إيقاع الألحان ، وقد غابت الأغنيّة التي تلبّي حاجة النّفس في غير زيغ ولهو ولغو من شأنه أن يفسد النّفس ويعيدها لأنفاق الغرائزية الخالصة..
نجد في مجتمعنا الزّامل القتالي يمنيّ الهويّة وهو من عاف حكم 37 عاما ظلاميّا من دولة الأحمريّين و(أمينتهم) حين حورب اليمني من تحالف ظالم ودونما ذنب سوى أنه يريد أن يحافظ على هويّته الإنسانية الإيمانيّة، ويتحرّر من كلّ أنواع العبوديّة للبشر..
بات اليمنيّ يفتقر لكلمة صادقة تغذي الرّجولة الطّافحة فيه بما يترجم وصف ربّ العالمين له بأنّه من قوم أولي القوّة والبأس الشّديد ، كان الزّامل القتالي وفي هذا الظّرف بالذات حاجة روحيّة معنويّة نفسيّة تتوازى وتتناسق مع حاجة النّفس البشريّة للاستقامة والعيش بسلام مع الحياة ، ذلك السّلام الذي لن يجده البشر إلّا بين حنايا الآيات القرآنية.
وهنا في اليمن كان القتال في سبيل اللّه هو الخيار الصحيح الوحيد الذي فرضه الواقع العدواني ، والذي خلق معه الزّامل كفنٍّ يخاطب الأنفة والكبرياء ويخاطب الحريّة في النّفس البشريّة ، هنا كان الزّامل حاضرا وبقوّة في أخطر مكان للشّرف وهو ساحة القتال في سبيل اللّه، كان حاضرا يعانق أرواح الرّجال ، ويشبع حنين أمة كاملة للرّجولة، كان زادا وافيا للرّوح بكلماته ومعانيه الإيمانية الواثقة باللّه ، بعد أن أُخمِد العنفوان والبطولة فيهم 37 عاما لم يكونوا فيه سوى متلقين وناظرين ومنتظرين لما ستفيض عليهم الدّولة الأحمريّة ومسؤولوها الظّلمة من فتات الخير ومن فائضه ( لو رضيوا عنهم) ، وأمّا لو كانوا رجالا أباة للضّيم فهم ملاحقون مُتَرَبّص بهم إلى أن يتمّ اغتيالهم بحادث مروري ، أو طلقة مسدس طائشة ، أو استدراج للأمن السياسي ، وهناك يلقون عليهم فنون الصّمت والإذلال ومحاولة التّركيع ، في حين جاء الزّامل الجهادي القتالي كثورة رجولة تلقف ما أفك الإخوانج- عفاشيّون والوهّابيون الذين لقّحوا فكر الشّعب بثقافة : ” يا أطفال يا حلوين اشربوا الحليب ” تارة ، وتارة أخرى خدّروه بوقاحة الكلمات التي تبيح المحظور لتسهّل الأحداث المزلزلة : و” ساعة في قربك يا اسمر ” ، وهلم جرّا ،،
فيكون الزّامل القتالي هو حاجة في دم المقهور الذي هدم صاروخ العدو بيته ، وقتل أمه وأباه ، وأزهق فلذاته ، وطارت منه أشلاء رفيقته وشريكة دربه وما بقي منها شيء .. جاءت الزوامل أبيّة مستنهضة لرجولة الثائر الرّافض للاستعباد في حقيقيّة المشهد، لا مزجه بخيال رجولة البطل في الفيلم الهندي وتكرار تلك الديدنة واستعراضات عضلاته وضربه لخصومه (كلّهم) الذين حاربوه لفقره، ورفضوه زوجا لابنتهم ، ومثل تلك البطولات بطولات المسلسلات التّركية الأردوغانيّة وهي لا تخرج عن قصص عشق شاذة ، وقصص تخديرية يتمّ فيها استثمار جمال ووسامة الوجوه في بثّ سموم وغرزها في روح وجسد الفضيلة ، وشعور الخيبة في المشاهد الذي لم يكن مهندا في حياته ولن يحصل على نور..
جاءت الزوامل كصاعقة قوية تحرق زيف المفروضات بل لعلّها اليوم في مملكة الرّمال وإمارات الزّجاج فرائض وفروض من الأغاني الهابطة في مسلسلات وأفلام تبيحها تلك المعسكرات الصهيونيّة لتنويم الشعوب عن قضاياها العقائدية والسّلوكية، ودفن كلّ ما من شأنه أن يشعل الحقّ ثورة في الشّعوب ، فهناك الإمارات مجتمع منفتح كمجتمعات أوروبا وأمريكا ، ومن زمان والفنادق توزع كتالوجات البنات على مرتادي الفنادق في تجارة دعارة عيانا بيانا ، لحقتها مملكة العهر في سنتين ليصبح الجسد هو محل وركيزة الحرب النّاعمة التي لو طغت فسيتحول البشر إلى حيوانات لا ترتدع لقيمة ولا تقيم شرفا وفضيلة..
جاء الزّامل الشعبي اليمني القتالي في واقع الثورة على المستعمر والغازي المقنّع والمتلبّس للحاكم أو رئيس الدّولة ، فخاطب النّخوة والشّهامة والرّجولة فيما قبل استشهاد الشهيد القائد ، فكان بمثابة منبه صاعق يعيد عقربة السّاعة لوضعها الدّقيق بعد أن ساد التراخي واللا رجولة ، فزوامل القحوم والليث ومن سبقهما، وكتب النّمري ومن معه وبدأت ثورة الكفاح المنطقي أو اللساني أو الشّاعري أو الفكري العاطفي جنبا إلى جنب مع تحرك الشّهيد القائد التوعويّة الاستنهاضية الفكريّة التي بدأت تلملم شعث القيم التي أهلكها الأحمريّون ومن والاهم ، بدأت ثورة حرّة تقترب وتتحالف مع القرآن وتنهل منه حدّ الارتواء ، ومن هنا ومن هذه التّشعبات نشأ الزّامل البطولي المقاوم للظلم المقاتل والرافض للغازي والرادع للمعتدي..
فجاء العدوان بعد انتصار ثورة 21سبتمبر 2014م ليفرض ما لن يرضاه شعب الإيمان والحكمة ، ومن هنا لمع نجم الزّامل أكثر فشقّ طريقه من بين غيوم التّيه والتّفريط والعمالة والارتزاق والخيانة ليسطع كنجم سهيل اليماني ، ويخاطب الرّجولة ويعيدها لوضعها الصّحيح ، عاد الزّامل بمصداقية وشفافية وأحقية وحقيقية قضيّة ومظلوميّة اليمن الذي تكالب عليه عدوان كونيّ فكان ذوداً وكرّاً للدفاع عن عقيدة يراد لها أن تُلتهم.
من هنا عاد الزّامل يترجم وجعا وألما لو لم تخرج حروف كلماته من عمق أرواح صادقة لما وصلت لأفئدة السامعين بتلك القوة والمصداقيّة.
نعم، فلو لم يوجد فضاء رحب لابتعاث الرّجولة والنّصر، ولو لم يهيئ اللّه ويمكّن للحقّ أن ينتصر لما هيئت حناجر من ذهب كحنجرة (عيسى الليث) لأن توصل ما لم توصله الكتب والكتابات والمحاضر والمحاضرات..
نعم، تصل الزّوامل لتهزّ أركان الأرواح من أعماقها في خطاب يستثير كلّ قوّة تعزّز الإباء والعزّة والكبرياء وتدحر التّدجينية والاستحمارية والبهائمية والحيوانية والاتباعية والعبودية للبشر..
نعم، بشعراء الزّوامل وصلت الزّوامل للسّامع بقوة وجاذبية ، وبزخم الشّجن وترنيمة المتبتّل العاشق لساحات القتال ، وبصوت كصوت (عيسى الليث) ومن في ركبه خُلِق لنا فنّ جديد ، وفتح لنا أولئك الشّعراء مع (عيسى الليث ورفاقه) فصلا جديدا ومدرسة جديدة للزّامل اليمني الذي عهدناه في ما سبق بتلك الكلمات القصيرة ذات الإيقاعات الغنائية أو الأهازيج الشّعبية الرّاقصة التي قد نسمعها من مزارع يجول أرضه بمحراثه أو من بنّاء وزملائه وهم يتناولون الأحجار مستمتعين بترداد كلمات تحفيزيّة ، كما أنّها لا تخلو من المدح النبويّة ، والتي أيضا نسمعها كلمات تصف العريس ببهائه في فرحته ، بينما عُرِف منها عند العرب القدماء ما يسمّى بالحداءات يرتّلها الحادي (المسافر في الصّحراء والمتنقّل فيها) وهو يمضي بإبله أو ناقته فيغني بألحان راقصة ليتخفّف عنه عناء السّفر وينسّي نفسه طول الطريق..
لكنّ الزّامل الشّعبي اليمنيّ اليوم يتخذ صورة هي الأقوى وهي الأسمى، فالزّوامل في اليمن تقاتل في سبيل اللّه وتقصف المعتدي وترافق الباليستيات براكين وقواصف وبدور وصمّادات وطائرات مسيّرة.
الزّوامل اليوم تطلق الرصاصة وتحرق المدرعة وتقتحم مواقع العدوّ .. الزّوامل تلتحف الأرض وتستظل السّماء وتبرد وتجوع وتحفى وتغبر ..
الزّوامل مدرسة تعبويّة متكاملة دروسها ترصد حركة حياة جهادية متناسقة الأهداف نعيشها في كلمات شعراء الزّوامل التي لم تنسلخ عنّا فنحن نعيش ظرف العدوان جميعا، ولكنّ شعراء الزّوامل يتكلمون بلساننا ويؤكّدون أنّ الأرواح جنود مجندة تتعارف وتتآلف، نعم فالأرواح تسكن بعضها وإلّا لما كتبت حياة لهذه الزّوامل التي اخترقت سكينتنا وهدوءنا ، ونحن من لم نزر جبهة ولم نحمل بندقية وما قدنا طقما ولا أطلقنا صاروخا ؛ فنحن الهانئات الآمنات العزيزات بقائد هو عزّنا وعزّ للإسلام والمسلمين، هو ورجاله الذين نعيش قريري العين بفضلهم بعد اللّه أشبالا وشبابا وحتى شيوخاً .. نعم ، نعيش بهناء في بيوتنا لكنّ أرواحنا في الجبهات ترافق رجال اللّه حيث لا يطير بها بساط سندباد السحري وليس لدينا مصباح علاء الدين ولكن تطير بنا كلمات أولئك الشّعراء الذين تطابقت أرواحهم في روح منشدي الزّامل وعلى رأسهم عملاقهم : (عيسى الليث)، ويا لمصادفات المعاني بالأسماء فهو ليث الزّامل حقا وصدقا ، فزوامله اخترقت حواجز الصّمت والتّبلد الفكري العاطفي الذي أصاب العالم المتفرّج على جرائم يصرخ منها الحجر الأصم ويبكي ويرأف لحال هذا الشّعب الجبل الأشمّ.
الزّامل الشّعبي اليمني اليوم يتجاوز الحدود والتضاريس ورسومات الجغرافيا ، ويصل إلى كلّ وجدان طاهر وقلب نظيف ونفس حرّة عزيزة في العالم، دون الحاجة من الأنصار لأن يضخوا ملايين الدولارات لإقامة حفلات ترويجية ( كأرب أيدول وغيرها مما شذّ من المسابقات التي ما أفتى شيخ ذو لحية محنّاة من الإخوانج -وهّابيين على حرمة الفساد به) بل إنهم قد ارتقوا ليستقدموا ماريا كاري لتغني لهم في حفلات إشهار الدّين التّرامبي ، والذي يعتذر القرني نادما على عمره السّابق الذي عاشه دون انفتاح ، وما القرني إلّا أنموذج لشيوخ الوهابيّة والإخوانجيّة الرّعناء، وهؤلاء هم الذين تابوا وأعلنوا ترامب ربّا، ونصبوا تمثال الحرية في مملكة الرمال (السعوديّة) كما نصبوا أصنام بوذا الهندوسية في إمارات الزّجاج ، وفي عالم من الفوضى يختلط ابن سلمان وأبناء زايد بالحسناوات ، وقد حشدوا حشدهم ليس لتحرير فلسطين ولكن لتحليل الكبائر وتدمير المسجد الحرام الذي رفع قواعده سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل ، وعلى يد ترامب يريدون هدمه ، وقد وطأت أقدام الصّهاينة تدنس باحات وساحات الأقصى والحرمين ، وسيعلن قريبا ترامب تغيير موعد الحجّ وتغيير القبلة ، وسيبني بيعا وصوامع وكنائس ومعابد ، وسيزرعون الزّقوم إيذانا بمحاولة مسخ تام شامل كامل للإسلام والقرآن ، وسيستمر حلب الأعراب لتنفق ذينك المستعمرتين : مملكة الرّمال (السّعودية) وشقيقتها الأعرابيّة( إمارات الزّجاج) من الأموال ما يسدّ رمق شعوب جائعة بأكملها ، ولكنّهم عبيد لا يملكون من أمرهم شيئا ولهذا ينفقون ليس لتحرير الوطن العربي بل لاحتلاله وهدم الكعبة وهدم الأقصى وتحقيق حلم إسرائيل في شرق أوسط ممتد من المحيط إلى الخليج ومن النهر إلى الفرات ؛ ولهذا يحاربوننا حربا عقائدية كافرة بمحمد رسول اللّه وآله ، ويستمرئون تخدير الشّعوب العربية بالرّاقصات والمطربين من أصقاع العالم العربي ليوحدوا الوطن العربي على لسان أحلام وكاظم وبقيّة حكم مسابقاتهم الغنائيّة ، وهناك يُنفق على المتسابقين أكلا وشربا وتدريبا وتجميلا حدّ السفه والجنون بينما تشرذم مملكة الرّمال وإمارات الزجاج جسد الوطن العربي وتقطعه إربا فيشتكي اليمن وجعه دون أن تتداعى مصر والأردن والمغرب ومن على شاكلتها من الأقطار العربية للسّهر والحمّى ، بل إن لقاحات وفيروسات قد حقن بها حكّام العرب ليصمتوا عن قضاياهم وأولاها وأقدسها قضية فلسطين فتضيع فلسطين وملك الأردن يرشح (ديانا كرزون) ، ويحرق الأقصى وسلمان يكرم (سمية الخاشب) ويجنّس السيسي الإسرائيليين ويبيع الصحراء المصرية لإسرائيل ، ويحتل الحرم من أمريكا، وأهل الحجاز يرقصون في الملاهي الليلية لإحياء ليالي الحرم المكي والمدني بأولئك المشاهير ، بينما تدمّر اليمن وسوريا والعراق ولبنان وليبيا وشعوب العرب تغني :
(ده حلمنا ، طول عمرنا ، حضن يضمّنا كلنا) ، ولعلّ المقصود بالحضن لديهم هو حضن ترامب فقد أعلنوا تطبعهم وتطبيعهم المطلق مع إسرائيل، وانضمّوا لإسرائيل إلّا حزب اللّه وأنصار اللّه وسوريا الأسد وحشد اللّه ، وهؤلاء فقط لم يستسيغوا ولن يستسيغوا ولن ينقادوا للصّهاينة ؛ ولهذا قامت ولازالت عليهم الحروب ، فهم الصادقون بكبارهم وصغارهم وفنانيهم وشعرائهم الذين منهم شعراء اليمن (أصحاب الزّوامل) ، وقد وصلت رفعة وسموّ وإيمان حروفهم درجة النجوميّة ، فكلماتهم نابعة من عميق أرواحهم كعذب مياه بئر باردة تروي ضمأ مسافر في صحراء وقد أخذه العطش إلى أن يرى كلّ ما حوله ماء وهو سراب ، لكنه يجد رِيّ روحه ، وفَيّ فؤاده وزفرات وجدانه المتشبّعة بالعزّة والكبرياء وكلّ تصاوير النّضال والصّمود والعنفوان في تلك البئر التي حوت جمال يوسف ، وضميره النّقيّ وعفّته وطهارته منذ الصّغر..
شعراء الزّوامل .. هم رجال من ” ن والقلم وما يسطرون ” ، هم أرواح من “ص” ، و” ق “، و” طه ” و” يس “، و”حم” و” كهيعص ” ، و” آلم” ، وكلّ حروف الأبجديّة التي في أوائل سور القرآن المعجز حكمة وبلاغة وشفاء وعلما..
وفعلا وعن ذاتي أتكلم وأكبُر تلك الكلمات لأولئك الشّرفاء، كلمات قويّة حد ردع ّ قصف صواريخ العدوان ، قوية حدّ كسر حصار العدوان اقتصاديا ، قوية حدّ كسر زحوف العدوان ، قوية حدّ تمريغ رجال اللّه أنوف المعتدين في التّراب ، قوية حدّ ارتقاء أرواح رجال اللّه للسّماوات العلا ، قوية حدّ شبع الجائعين ، قوية حدّ حياة الكبرياء ، حدّ سكن النازحين ، ودفء قلوبهم وقد باتوا في العراء بلا مأوى ، حدّ إيمانهم بأنّهم في كنف اللّه ، قوية حدّ ثورة الحسين ، ومظلومية زيد وشجاعة الكرار، وكمال محمّد بن عبداللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) ، قويّة حدّ صرخة الشّهيد القائد وحربها على إمبراطورية بني صهيون وأمّها أمريكا وجدّتها بريطانيا ، كلماتهم قويّة حدّ عشق الأمّة للسيّد القائد ، قوية حدّ النّصر وقوية حدّ رفع مظلوميّة هذا الشّعب إلى البارئ إلى عرشه ، قوية حدّ انتصار الفضيلة والعفّة على شبكات عهر المعتدين ، قوية حدّ كلمة قوة القوة وهي التعبير الذي بات يوحي ليس بالقوة فحسب بل بجمال تلك القوة وبروحها ، إذ لا يكون للقوة روح إلّا لو كانت روح أولئك الشّعراء النّبلاء.. قوّة القوة..
ولهذا نجد زواملنا القتالية تبلغ حدّ شغاف قلوبنا ، وتلامس نبضات أرواحنا ، وتعيها عقولنا.. كلماتهم توحي بصدقهم فهي تخرج من أفواههم رصاصات قنّاصة تدرّبوا عشرات السّنين فأصابوا بها جنود العدوان في صميم مهجهم.
تعابيرهم قويّة حدّ امتدادها واتساعها وارتفاعها بك إلى ساحات البطولة وكأنّ أسطورة السّندباد البحري تتقافز من بين شفاههم فتأخذنا كالبساط السحري لسندباد ونحضر تلك الملاحم ، ولنا مثل فكلمات زامل الاقتحامات تنقلنا بين تقاسيم أرواح المجاهدين ، تأخذنا إلى تلافيف ومربعات ومنازل ومتارس ومواقع المرابطين قائلا:
_ ” أنت تمشيط ناري مشّط الأرض واطلق.
_ وأنت سارع تواصل واضرب المدفعيّة.
_ وأنت تأمين خلفي للنّشامى ومرفق.
_ وأنت شل الثّلاثة واقتحم من هنيّه.
_ وأنت رتّب مكانك لا دعيناك طبّق.
_ وأنت بعدي تحرّك للتّباب البقيّة.
_ عزّ وإلّا عزاها ..خلّوا النّار تعلق.
_ ما بقي غير ديني ينتصر والقضيّة “.
وكأنّ الشّاعر القائل لتلك الملاحم مهندس ميداني في المعركة يوزع رجاله !!
لازال ذلك الزّامل الذي يؤديه ليث وأسد الزّامل (عيسى الليث) يبكيني لليوم حين أسمعه لأني أدرك فيه التحام روح صاحب الكلمات بروح المؤدي لها بروح السّامع فيكون ثلاثيا متآلفا كبنيان مرصوص..
نعم، فالشّعر جبهة بحدّ ذاتها ، والمنشد جبهة ، والسامع حين ينصت بروحه للمعاني فيرصد دبيب روح الشّاعر والمنشد ويقتفي أثرهما حين يطبعان حب وعشق جبهات الشرف ويحرّكان كلّ ما هو ساكن في الرّوح في سبيل الله فهو يدعوك لتسبيح اللّه في قدرتيهما على فعل ذلك في روحك وأنت في مكانك لا تبرحه ، فكأنّهما يأخذانك إلى روحانيّة تلك البطولات.
نعم، بـــ ( عيسى الليث ) ومن يكتب له أرحل برغبة إلى الزّامل ، واستشعر جمال الرّحلة إلى مواقع أولئك الأبطال الذين تحرّكوا بإمرة قائد رباني محمّدي عجز من كانوا يسمون أنفسهم بعتاولة الدبلوماسية وفحول السياسة أن يكونوا بخطوة لقدم واحدة من قدميه الطاهرتين ، كل ذلك نتاج تحرك روحه الواثقة باللّه ، المصبوبة في عشق اللّه كصوفي وفي رضا الله كمتبتل وفي نصر اللّه كقائد ميداني يدير معركة الحياة بكل تمكّن واقتدار ما يجعله مرعبا لإسرائيل ومن والاها ، وهو الأخطر فقد مضى على خطا أخيه في مواجهة ومصارحة رؤوس الشياطين أمريكا وإسرائيل بلا خوف منها وبالقول والفعل :
“الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل … الخ”
وبذلك الشعار الذي أصبح أيقونة الأحرار في كلّ العالم، وتحت لوائه تنطلق حروف
أولئك الشّعراء المؤمنين به صادقا قويا، فعندما يصل إلى أفئدتنا فهو يصل بتلك القوة التي يحييها ويزيدها قوة أداء منشد لم يتخرّج من أكاديميّات ومعاهد الفنون ، وتعليم فنّ الإنشاد ليكون صوته وحده رسالة وجبهة وأقوى جبهة ترافق رجال اللّه في جهادهم ومواقعهم وانتصاراتهم وتشعل ثورتهم وتزيدها اشتعالا في وجه العدوان فتلفح وجهه الأسود..
فهل في تاريخ الثّورات وجد صوت من لهب ثوري كصوت عيسى الليث ؟ وهل كان شعراء كشعراء الزّامل اليمني اليوم ؟
سؤال سأطرحه لنقّاد الأدب ومتخصصي الأدب الشّعبي والفلكلور والفنون التراثيّة المعاصرة، وأتمنى منهم الإجابة ، فكما شهد (سيّد المقاومة) لرجال اللّه (في اليمن) بأنّهم مدرسة وبأنهم منهج يحق لأكاديميّات العالم أن تدرسه ، فكذلك شعراء وفنانو الزّامل وعلى رأسهم عيسى الليث ، فهم مدارس التقت في مجرى نبع ذلك الصوت الجبلي الشّامخ (عيسى الليث) فوجبت دراسته وحده كمدرسة احتوت مدارس وأنموذجات شعرية ؛ وكل شاعر وفنه ولكنّهم التقوا بما يدعو إليه ربّ العالمين في اعتصامهم بحبل اللّه ونبذ الفرقة فكانوا الشّعراء الذين لم يتبعهم سوى الصّادقين فهم المؤمنون وقصائدهم هي الأصدق ..
ولو طال حديثي لما انتهيت من الكلام عنهم ، وستظل شهادتي فيهم لا تطاول مقاماتهم ومقام ليث الزّامل (عيسى الليث) ، ولكنّي سأعلن توقفي ليس مللا من الكتابة عنهم لكن لعجز حروفي عن إيفائهم وشكرهم ، وذلك الليث ومثله بقية ليوث الزّامل، وما أنبلهم أجمعين ، وكلّهم يسابق للعلا ، وينافس نجوما هم الأكثر من أن أحصرهم ، ولكلّ صوته ورخامته ونبرته وخامته التي وهبه إيّاها اللّه .. فلهم جميعا : شعراء ومنشدين كلاّ باسمه وموهبته وتألّقه وتميّزه أسمى التّحيّات.. والسّلام.