عندما تم حصار اليمن جاء ذلك بحجة منع تدفق الأسلحة إلى كل الجماعات، وهذا يتطلب حسب وجهة نظرهم تفتيش السفن قبل التصريح لها بالدخول وإفراغ حمولتها رغم الرقابة الملاحية العالمية. وفي هذا السياق هناك عدة انتهاكات جسيمة يرتكبها العدوان بحق اليمنيين، وعلى رأسها احتجاز سفن الوقود بدون أي مبرر رغم حصولها على التصاريح اللازمة بعد تفتيشها.
وإغلاق مطار صنعاء يعتبر انتهاكاً آخر لا مصوغ أو مبرر له، حيث تخضع جميع الرحلات الجوية على مستوى العالم لإجراءات التفتيش والتحري، وهو انتهاك خطير لحرية التحرك والسفر المكفول بكل قوانين العالم، وبالذات فيما يخص الجانب الإنساني وعلاج المرضى. ومن ناحية أخرى يقوم العدوان بتسهيل دخول كل ما يفتك بالأرض والإنسان، فمنها ما يدخل عبر ميناء الحديدة بشكل رسمي مثل الأغذية الفاسدة كشحنة الدجاج المجمد الفرنسي التي تسببت بتسمم غذائي لشريحة كبيرة من المجتمع بسبب تهافتهم عليها نظرا لانخفاض سعرها، وأيضا كثير من الأغذية القادمة عبر منظمة الغذاء العالمي التي غالبا ما تكون منتهية أو توشك صلاحيتها على الانتهاء وكأن هذه المنظمة مجرد أداة لمساعدة الدول المصنعة للتخلص من هذه السموم، ومنها ما يدخل عن طريق التهريب مثل السجائر الرديئة جدا المصنعة في جبل علي وللأسف بعضها يحمل أسماء يمنية كتمويه بأنها صنعت محليا مثل "شملان" وغيرها من السجائر وهي قاتلة نظرا لرداءتها وصناعتها تتم بدون المواصفات والمقاييس العالمية، وإلى جانب ذلك هي أداة تدميرية للاقتصاد الوطني. وتشكل جميع المواد المهربة التي يتم صناعتها في جبل علي رافداً مهماً للإمارات بالعملة الصعبة، ومن أخطر المواد المهربة أيضا المبيدات المنتهية مع العلم أن المبيدات الزراعية عندما تنتهي صلاحية استخدامها تتحول إلى نفايات كيميائية وتضطر الدول المصنعة لها لدفع مبالغ كبيرة جدا لمن يتولى مهمة التخلص منها، وللأسف كان اليمن هو الوجهة الأولى لهذه الأداة المدمرة للأرض والقاتلة للإنسان. ما تطرقت إليه هنا يمثل نسبة بسيطة من إجمالي الإجراءات العدوانية في إطار إبادة وتجويع وإفقار الشعب اليمني بغية تركيعه وهو أيضا يعبر عن حقد دفين.
ويأتي بعد ذلك من يعتبر مبادرة السعودية فرصة كبيرة للسلام لأنها أشارت إلى فتح مطار صنعاء أمام رحلات هي من تحددها وتحدد وجهتها وتحدد حتى المسافرين من خلال اشتراط حصولهم على جوازات سفر صادرة من المناطق المحتلة رغم تورط ما تسمى "الشرعية" أكثر من مرة ببيع جوازات سفر بطرق غير شرعية ومخالفة للقانون. ويتحدثون عن رفع الحصار عن ميناء الحديدة رغم عدم تطرق المبادرة إلى ذلك، بل إن العدوان اشترط توريد إيرادات الميناء إلى بنك آخر بمعنى استحواذ العدوان على إيرادات الميناء وذلك ضمن سياسة تجفيف الموارد المالية، مع الإشارة إلى أنهم سيستخدمون تلك الايرادات في صرف مرتبات الموظفين رغم أن إيرادات الميناء لشهرين لا تساوي مرتب نصف شهر لموظفي مناطق الإنقاذ، وذلك في حال دخلت جميع السفن دون أن يتم احتجازها، لأن الاحتجاز يترتب عليه أعباء مالية (غرامات تأخر إفراغ الحمولة) ولهذا تحتجز دول العدوان السفن لفترات طويلة فبعض السفن محتجزة منذ عام كامل حتى وصلت غرامات التأخير إلى أكثر من الرسوم الجمركية والضريبية.
وبالتالي تفقد الدولة إيرادات الميناء وذلك يتسبب بعجزها في صرف نصف مرتب شهري بحسب اتفاق ستوكهولم بشأن استخدام إيرادات ميناء الحديدة بصرف المرتبات، وهذا العجز هو النتيجة التي تريدها دول العدوان، ولهذا صرح رئيس المجلس السياسي الأعلى أن الأمم المتحدة اشترطت عدم صرف نصف راتب كل شهرين مقابل السماح بإدخال جميع السفن، وعندما رفض ذلك استمرت دول العدوان باحتجاز السفن ليتسببوا أولا بأزمة إنسانية خانقة نظرا لشحة توفر الوقود الذي يعتبر شريان الحياة، وثانيا عجز الدولة عن الإيفاء بوعدها في صرف نصف مرتب كل شهرين، ثم يأتي بعد ذلك مرحلة استثمار معاناة الشعب اليمني من خلال المقايضة واستغلال الملفات الإنسانية التي في الأساس هي نتيجة إجراءات العدوان، وما نقل البنك المركزي وطباعة الأموال بشكلها الرديء وبدون غطاء إلا جزء من حزمة إجراءات تجعلنا نعيش أسوأ كارثة إنسانية، ثم يستخدمون ذلك ككروت تفاوضية، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا وستتحمل دول العدوان على اليمن المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات السافرة ولن يحصلوا على مبتغاهم مهما تمادوا في إجرامهم.
وما مبادرتهم اللعينة إلا خطة إنقاذ لأدواتهم الرخيصة ولتلافي تحرير المحافظات المنهوبة.
نحن نعول على الله عز وجل ثم على قيادتنا الحكيمة في إجبار أحقر عدو للإنسانية على الهرولة نحو السلام.
لتصبح مبادرتهم القادمة هي وقف العدوان بكل أشكاله ورفع الحصار بشكل كلي ولا مانع من استمرار تفتيش السفن لضمان منع تدفق السلاح كما يزعمون مع أنهم مدوا الجماعات الإرهابية بكم هائل من الأسلحة.
عموما لا يمكن لأي تفاوض أن ينجح ويرى النور ما لم يسبقه إيلام العدو في عقر داره بشكل يجعله ينشد السلام باعتباره أداة إنقاذ ومصلحة عليا له، وعندها فقط سيقرر وقف عدوانه ورفع حصاره وبعدها نخوض مفاوضات يحرص العدو على نجاحها باعتبارها طوق نجاته.