كان لابد أن يكون المبعوث الأممي أجنبيا ، فقد أدرك الملاعين أن المبعوث الأممي عندما يكون عربيا فهو يشكل خطرا على مؤامراتهم ، وقد يتأثر في أي لحظة بعد أن يسمع الكلام المنطقي والصادق من أفواه اليمنيين وهم يتحدثون عن مأساة العدوان والحصار الصهيوني على اليمن ، وسواء كان المبعوث بنعمر الذي غيّر لهجته جزئيا ، أو ولد الشيخ الذي لاذ بالصمت مرارا ، فهذا كان يعتبر خروجا صارخا عن الوظيفة التي جيء بهم لأجلها ، وكان لابد أن يكون القادم أجنبيا حتى لا يفهم كل ما يقال له في اليمن ، وهذا ما حدث !
لعل أهم ما فعله غريفيث من أجل اليمن هو التعبير عن قلقه بعد كل مجزرة يرتكبها طيران العدوان ، وهو دور أعتقد برأيي الشخصي أن جدتي – رعاها الله – كانت تستطيع أن تؤديه بشكل أفضل من موظف أممي ، فالمهم هنا هو القرارات ، وهذه النقطة هي التي تحاشاها دائما غريفيث من خلال إحباطاته أمام مجلس الأمن حين كان يعبّر عن قلقه أولا ثم يلحق هذا بأمور ثانوية تكون غالبا هي محور النقاش، بعيدا عن الموضوع الرئيسي الذي كانت تعقد الجلسة في الأصل من أجله ! وهو دور خبيث لا يوجد أفضل من أن يؤديه بدهاء رجل بريطاني أبيض الشعر ولئيم !
اليوم نحن على أعتاب عام سابع من العدوان والحصار ، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن غريفيث مؤخرا قام بإحراق كرته عندما اتخذ موقفا ساذجا وغير منطقي مما يحدث في مارب ، وتحرير مارب يعتبر انتكاسة سياسية كبيرة لدول تحالف الشر كما عبر عنه مسؤول فرنسي ، ولكنه سيكون عامل قوة بالنسبة للموقف السياسي اليمني ، وبالتالي فالموقف سيختلف كليا باتجاه أنه سيتيح للمفاوض اليمني أن يفرض تغيير المبعوث الأممي الفاشل ، وهذا ما سيؤدي إلى إحراج المنظمة الأممية التي لم تكن تريد أن تظهر بهذا التخبط بعد تغيير مبعوثين سابقين ، كما أنها ستكون مضطرة لتغيير غريفيث لأنه لم يعد مقبولا من قبل المسؤولين اليمنيين نتيجة لموقفه الأرعن مما يحدث في مارب ، وفشله بأن يظهر بموقف الحياد !
من هنا نستطيع أن نفهم لماذا قام النظام السعودي بإطلاق مبادرة باسم، دون أن يقوم بالإيعاز للمنظمة الدولية لكي تقدمها باسمها ، ونستطيع أن نفهم أن اللعبة السياسية القذرة التي دأبت المنظمة الدولية على تقديمها لنا بشكل «تعبير عن القلق» دون وجود قرارات، لا يمكن أن تستمر في ظل المتغيرات التي تحدث على جبهات القتال ، لذا فنحن نستطيع الآن أن نتحكم بمصير اللعبة الأممية بفضل سواعد مقاتلينا الأبطال ، وسواء اخترنا أن يرحل غريفيث لتأتي لنا الأمم المتحدة بغريفيث آخر، أو أن نبقيه على مسافة لا تضر ولا تنفع ، فنحن واثقون اليوم أن المفاوضات تدور حاليا في ميادين القتال ، والجميع دون استثناء ينتظرون ما ستؤول إليه الأمور في مارب ، حتى في البيت الأبيض.