|
كيف تصنع حاكما مطيعاً؟!..«عفاش أنموذجا»
بقلم/ خالد العراسي
نشر منذ: 3 سنوات و 7 أشهر و 30 يوماً الأحد 04 إبريل-نيسان 2021 07:38 م
لم يكن المال الأداة الوحيدة التي أدت إلى طاعة رأس النظام اليمني السابق لمحور الشر والظلام بذلك الشكل المهين، فوسائل إرضاخ الحكام تشمل العصا والجزرة، وذلك يتطلب توفر ملفات ووثائق تثبت تورط الشخص المراد إعداده للحكم بجرائم جنائية جسيمة وفساد مالي وأخلاقي.
الموضوع هنا متطابق مع كيفية التجنيد والالتحاق بعصابات المافيا، وكذا في صناعة الحكام.
أولاً: يتم انتقاء أرذل وأحقر القوم، لأنهم الفئة الوحيدة التي ستنفذ التوجيهات إلى ما لا نهاية مهما كان قبحها ومهما كانت مآلاتها كارثية على الشعب المحكوم من ثلة الخونة.
يبحثون دائما عمن لديهم شبق لا محدود للثروة والسلطة، وهذا موجود في كل من لديه عقدة نقص معينة يعاني منها في حياته، كالشواذ ومجهولي الأصل (بحسب البيئة التي يعيش فيها وما الذي يستنقصه المجتمع في تلك البيئة) فيحاول التعويض عنها بهيلمان الأمر والنهي والتفاف الناس حوله، وأحياناً بالسعي نحو علاقة نسب ومصاهرة مع أعيان أو قادة أو تجار أو مشايخ بارزين وكبار القبائل، والارتباط معهم بمصالح تجارية مالية غالبا تكون غير مشروعة.
كما أن شبقهم المخيف للثروة والسلطة يجعلهم مفرغين من كل القيم والمبادئ، ومستعدين لفعل أي شيء مقابل الوصول إلى غايتهم الدنيوية، ومستعدبن لعمل أي شيء مقابل الوصول إلى غايتهم الدنيوية، وهي الفئة التي يبحث عنها الصانعون لحكام الدول المستهدفة.
ثانياً: هناك ما يسمى «ثمن الانتساب»، وهي الخدمة التي يقدمها العميل للعصابة مقابل إثبات إخلاصه وطاعته وقدرته على خدمتهم، وغالبا ما تكون هذه الخدمة «ارتكاب جريمة جسمية»، وتكون هذه الجريمة موثقة، والتوثيق يجعل العميل في حالة ركوع وخضوع دائمة.
وهذا ما فعله الموساد مع رأس النظام السابق، الذي قدم لهم خدمة الانتساب باغتياله للرئيس الشهيد الحمدي، وكانت الجريمة موثقة.
يأتي بعد ذلك مجموعة من ملفات الفساد المالي والأخلاقي للعميل ولأقرب الناس إليه، فتوثيق جريمة كبيرة بالإضافة إلى تلك الملفات المخزية، إلى جانب دقة الاختيار بعد دراسة الشخصية المنتقاة لهذه المهام تجعل مسألة صحوة الضمير والمشاعر الوطنية غير واردة إطلاقا مهما حدث، بالإضافة إلى ربط الحكام بمصالح شخصية، أي ترك المجال لحصول الحاكم العميل على ثروة غير مشروعة، وهذا لا يدخل ضمن الجزرة فقط، لأن الثروة غير المشروعة تتحول عند الحاجة إلى أداة ضغط، بمعنى أنهم لا يخسرون شيئاً، فقيمة الحاكم العميل مدفوعة من ثروات وطن منهوب.
وينفذ الحكام مع المسؤولين الذين تحت سلطتهم الخطوات نفسها، فينتقون أفسد وأحقر وأرذل القوم (باستثناء الشرفاء المفروضين على الحاكم بسبب بعض الظروف والضغوط الشعبية والحزبية في مراحل معينة، ونسبتهم قليلة جدا في الأنظمة الفاسدة والعميلة والتابعة، ودائما يتعرضون للاغتيال المباشر أو الاغتيالات العصرية بشكل يجعل الأمر يبدو وكأنه موت طبيعي أو حادث عرضي)، بالإضافة إلى توفير أرشيف كامل من ملفات تدينهم جنائيا وماليا وأخلاقيا لابتزازهم بها، ولهذا سمعنا مقولة «ما لنا إلا فلان»، فهذا لم يكن ناتجاً عن حب وولاء بقدر ما كان طاعة إجبارية، ومصالح دنيوية غير مشروعة.
ما سبق هو ما يفسر رضوخ الحكام بشكل كلي للدول التي صنعتهم ومنحتهم الكرسي، ويفسر أيضاً رضوخ المسؤولين لحكامهم الذين يستخدمون الطرق نفسها المستخدمة معهم مسبقاً. وبهذا الشأن كانت الصهيونية مدرسة لأغلب حكام العرب، باعتبارها منشأ ومنبع الفكرة، بل والمنفذ في أغلب الأحيان، إلى جانب النظام البريطاني.
لذا نلاحظ أن رأس النظام اليمني السابق نفذ كل ما طلب منه بإذعان كامل، والتنفيذ تم عن طريق أغلب القادة والمسؤولين.
فمثلا شنوا على صعدة 6 حروب بلا أي سبب مقنع، ودمروا منظومتنا الدفاعية بخنوع منقطع النظير، وجنسوا عدداً كبيراً من الصهاينة وسهلوا مهمة تغلغلهم بين أوساط المجتمع اليمني، وتركوا المجال للناهب الدولي والإقليمي لنهب ثرواتنا، وباعوا للسعودية أغنى وأثرى أراضينا اليمنية في اتفاقية الحدود، ووافقوا على دفن نفايات ذرية ونووية في عدة مناطق بالساحل الغربي، وحاربوا وعذبوا كل الكفاءات اليمنية والمبدعين والمخترعين حتى كان مصيرهم ما بين منفي أو مخفي قسرا أو مصاب بالجنون، وجمدوا موانئنا رغم أهمية مواقعها، وأهملوا جزرنا رغم جمالها وروعتها، وامتنعوا عن استحداث أي استكشافات نفطية وغازية وجعلوا الاستكشاف والإنتاج محدوداً وقليلاً جدا في الأحواض الموجودة بشكل كلي داخل أرض اليمن، كحوض السبعتين، وامتنعوا عن الاستكشاف والإنتاج النفطي في الأحواض الممتدة من اليمن إلى السعودية، رغم أن الجزء الأكبر والأعمق موجود داخل اليمن ولا يوجد في السعودية إلا جزء يسير جدا منه وبعمق أقل بكثير من العمق اليمني، كحوض تهامة وحوض المسيلة، وهي أحواض كانت ومازالت تفتقر للاستغلال الأمثل بشكل متعمد لترك المجال للسعودية لاستغلال المخزون اليمني عبر تقنية الحفر الأفقي والموجه (بواسطة شركات أمريكية تتقاسم مع السعودية النفط اليمني المنهوب)، وعبر اقتضام السعودية مساحات جديدة من أرض اليمن، علما أن لدينا في اليمن 12 حوضاً نفطياً، وأجزم بأننا نمتلك ثروة نفطية وغازية أكثر من ذلك، لكن بعض الدراسات أشارت إلى أنها 12 حوضاً، المستغل منها ثلاثة فقط، وهو استغلال لا يصل إلى 1 ٪ مما يجب أن يكون، وهناك دراسات أخرى لم تخرج إلى العلن كالمسح والدراسة الروسية.
حتى آثارنا لم نسمع يوما عن حملة رسمية منظمة لاستكشاف الآثار والمعالم الحضارية، مع أن حضارة اليمن ضاربة في التاريخ، وإذا قادتنا الصدفة إلى اكتشاف آثار في أي مكان تختفي ونراها بعد حين في متاحف عربية وأوروبية، كالوعل اليمني الذي استعرضته قطر في معرضها الأخير على أنه أحد الآثار القطرية، وما هو إلا قطعة من آلاف القطع المسروقة برعاية ومساعدة رأس النظام السابق، وقد وجدت بعض فرق التحري أن الآثار اليمنية المهربة خارج اليمن كانت تشكل أحد أهم مصادر ثروة عفاش.
وفي الأخير علينا أن ندرك أنه عندما يفقد محور الشر هذه العينة الخانعة والراكعة والمنفذة لكل أوامره وتوجيهاته فمن الطبيعي أن يفعل المستحيل لإعادتهم إلى كرسي الحكم، لاسيما في حال كان البديل حراً وليس ممن تم صناعتهم، ولا ممن يمكن إغراؤهم أو تهديدهم.
لهذا لا عجب في التكالب الدولي والتواطؤ العالمي، لكل من كان ينهب ثروات اليمن بمعونة ومعية رأس النظام السابق. ولاحظوا أنه لم يجن جنون محور الشر عندما استأصل الشعب عفاش ونظامه، كونه ضمن بقاء بعض المتنفذين، وأيضا ضمن البديل الأنسب (الدنبوع والإصلاح) بموجب ما سميت «المبادرة الخليجية»، ولكن جن جنونهم عند استئصال البديل وبروز جماعة لا يمكن لهم شراؤها (جماعة الأنصار) وليس بالإمكان ليْ ذراعها أو إذلالها.
فلنكن مع الأنصار قلبا وقالبا لبناء يمن جديد خالٍ من التبعية المجحفة، فإن خير الحكام «القوي الأمين».
* نقلا عن : لا ميديا |
|
|