الواضح أنه جرى تحميل الوفد السلطاني العماني الذي ذهب إلى العاصمة اليمنية صنعاء للقاء المسؤولين هناك أكثر مما يحتمل ، وبالتالي فُتحت الآمال على مصراعيها بما في ذلك الوصول إلى إنهاء الحرب على اليمن ورفع الحصار وفتح مطار صنعاء الدولي المغلق منذ 2017 .
هناك أسباب كثيرة لهذا التعويل على الدور العماني وأولها موقف سلطنة عمان الإيجابي وجهودها الكبيرة في لعب دور الوسيط ونقطة الالتقاء بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية وأيضا احتضانها للفريق الوطني اليمني المفاوض ، وهي تقود بهذا الدور منذ سنوات.
ومن بين هذه الأسباب ثقة اليمنيين بها ، ومن هنا جرى الخلط في توصيف مهمة الوفد السلطاني ، مع فوضى التحليلات السياسية والاستنباطات غير المبنية على معلومات مساعدة في فهم لماذا جاء الوفد إلى العاصمة صنعاء ؟ خاصة أنه يتزامن مع حراك دبلوماسي اقليمي ودولي كبير فُهم منه أنه يجري وضع اللمسات الأخيرة لإيقاف رحى الحرب التي تجري منذ 6 سنوات وربع السنة.
الواقعية تقول التالي :
أولا – الوفد لا يحمل مبادرة عمانية يجري عرضها على مختلف الأطراف وبالتالي كانت سلطان عمان تعرضها على المسؤولين في العاصمة صنعاء ، ولو كان الأمر كذلك لتم الإعلان عن هذه المبادرة
ثانيا – الاعلام الرسمي العماني وحتى غير الرسمي لم يصدر بيانا يشرح فيه مهمة الوفد واقتصرت وسائل الاعلام الرسمي في الاشارة لهذا الوفد ، هذا يعني بالضرورة أن الوفد رغم رسميته وأهميته لا تخرج مهمته عن كونها استمرار لجهود تقريب وجهات النظر ومحاولة تذليل المعوقات أمام الوصول إلى تفكيك الأزمة والمساعدة وتدوير عجلة المفاوضات التي لا تتحرك كثيرا
ثالثا – التصريحات الرسمية التي أدلى بها كبير المفاوضين اليمنيين ورئيس الفريق الوطني للمفاوضات محمد عبد السلام الذي رافق الوفد العماني ذهابا وإيابا ، سواء تلك التي ادلى بها أثناء الوصول أو خلال المغادرة ، اقتصرت على الاشادة بدور سلطنة عمان الانسانية والاشارة إلى وضع ترتيبات انسانية سعيا ( لرفع المعاناة عن شعبنا اليمني ) مثلما يقول محمد عبد السلام ، وهذا يعني أن الجهود تنصب في محاولة فصل الملف الانساني ورفع الحصار عن مطار صنعاء الدولي المدني وكذلك ميناء الحديدة عن الملفات السياسية والعسكرية .
من تابع البيان الرئاسي الذي أصدره المجلس السياسي الأعلى الحاكم في العاصمة صنعاء والذي أعقب لقاء الرئيس المشاط وأعضاء المجلس السياسي بالوفد العماني وأشاد بموقف السلطنة ودورها ، سيجد انه ركز على ثلاث نقاط رئيسية واحدة منها في غاية الأهمية ، وهي النقطة المتعلقة بضرورة انسحاب القوات السعودية والاماراتية والاجنبية من كافة الأراضي اليمنية قبل الحديث عن أي مبادرة لوقف إطلاق النار ، فضلا عن رفع الحصار وفك الأجواء اليمنية أمام الرحلات المدنية كحق مشروع وانساني وسيادي للجمهورية اليمنية .
البيان يلخص الرؤية اليمنية التي قدمت للجانب العماني ، وبالتالي فإن المهمة التي كان يحملها الوفد السلطاني لا تتجاوز كون السلطة تريد ان تعرف بصورة مباشرة من الرئاسية اليمنية وكذلك من مكتب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بصفته قائد الثورة وجهة نظرهم لمختلف القضايا التي يتم بحثها وكذلك النقاط التي تعد أسباب رئيسية لعدم نجاح الامم المتحدة وإخفاق مبعوث بايدن لليمن ثيم ليندر كينغ خلال الأشهر القليلة الماضية .
يمكن وصف مهمة الوفد السلطاني العماني بأنها تقتصر على معرفة وجهة نظر صنعاء وأفكارها ومقارباتها للحل الشامل في اليمن ، ومن ثم نقلها للجانب الأخر ، وبالتالي هذا جهد عماني لا يحتمل الحديث عن فشله أو نجاحه ، هو في النهاية جهد إنساني بحث لا يستقيم معه البحث عن نتائج ومن ثم الحكم عليها بالنجاح او بالفشل ، هو جهد ناجح في كل الحالات .
البعض ذهب بعيدا واعتقد ان سلطنة عمان ذهبت لعرض مبادرة خاصة بها على العاصمة صنعاء وربط بين زيارة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي وتسليمه رسالة من السلطان هيثم بن طارق للملك سلمان وبين الوفد الذي طار للعاصمة صنعاء ، وبالتالي فإن فشل ” المبادرة العمانية ” ستعني أن يتغير موقف السلطنة من صنعاء ، هذا التصور وبالتالي التوصيف غير دقيق ويتجاوز الدور المحوري والاستراتيجي المهم التي تلعبه عمان لكل الاطراف وهو دور نابع من قناعتها ورؤيتها للازمة في اليمن .
الصحف وبعض المحللين السعوديين اشتغلوا كثيرا في هذا المسار وألمحوا بطريقة أو بأخرى إلى عدم رضاهم عن الدور العماني ، وهذا الطرح كان يعكس رغبتهم في تخريب العلاقة العمانية اليمنية ودورها الوسيط في محاولة حل الأزمة عبر استقبال الوفود وتنسيق اللقاءات بين الأطراف المختلفة ، في اطار انساني وسياسي ضمن الجهود العمانية لوقف العدوان على اليمن ووقف الحرب الدائرة ، بما في ذلك استضافة الحوار اليمني السعودي ( السري )
هذه المقالة هي محاولة إعطاء صورة حقيقية ودقيقة لفهم دور الوفد السلطاني العماني بعيدا عن تحميله ما لا يحتمل والانتظار لنتائج او توقع تغييرا وشيكا في موقف السلطنة العمانية من الأزمة في اليمن ومن مختلف الأطراف .
* المصدر : رأي اليوم