لدى الشاعرة فاطمة صالح القمادي قدرة عالية على وصف المعارك والأحداث من واقع ما ينقله الإعلام الحربي في التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي من مشاهد جهادية وفدائية وانتصارات للجيش واللجان الشعبية في الجبهات على قوات العدوان السعودي على اليمن. استطاعت وبإبداع وصف المعارك دون ادعاء وتخيل فارغ كما يفعل بعض الشعراء والشاعرات الذين يكذبون أنهم ينقلون مشاعرهم الحية وأسماء الآلات الحربية من وسط المعركة وهم في الحقيقة لم يذهبوا إليها ولم يلمسوا قطعة سلاح واحدة في حياتهم. وهي هنا إذ تنحو المنحى الوصفي يتجلى صدق هواجسها الشعرية في دهشة وإعجاب.
"مشاهد تفوق الوصف والعقل والخيال
تفرد بها الجندي اليماني بمفرده
تحدى مناخ الأرض والسهل والرمال
كأنه بيمشي في خريطة على يده".
وفي الوقت الذي يجندل فيه جيشنا العظيم جنود ومرتزقة العدوان في الجبهات ويهزمهم ويدحرهم فيجرون أذيال الخيبة بقوة الله وصمود شعب اليمن وسواعد رجال الرجال كل يوم ومنذ ست سنوات، يقتل العدوان السعودي بصواريخه وطيرانه الأطفال والنساء والمدنيين. وليس هذا وحسب بل إنه اعتدى على الأغنام والأبقار في المراعي والخيول في الاسطبلات.
دمعة فرس
"أسرج على خيل حزني يا فؤادي العليل
ورتل اوجاع تسبح في دمي والعظام
وكحل اجفان روحي بالسهاد الطويل
وانحت بجدران بوحي جرحي المستدام
فمن شواطي حنيني سار همي الثقيل
يصرخ ودمع الخيول النازفة كالسهام".
التأثر القرآني واضح في نصوص فاطمة القمادي، وهنا نرى أبياتا يتضوع منها عطر النور المحمدي ويمتزج مع معان قرآنية في سبك شعري من أعلى عيار. فالصورة الآتية من "سورة المزمل" انعكست بهذا الوعي النبوي البديع، فتزمل الهاجس بها حاملا هذه الصورة ومعها مفهوم الزامل والتزمل معا.
"أفرد جناح التجلي هاجسي الصداح
واتزمل النور واتلي القارعة والصمد".
على أن تصوري السريان الذي انسرب مدهشا كقشعريرة باردة تحت مسام جلدي لم يصل إلى أعماق هذا التصوير البديع. فالجلد بكسر الجيم غير الجلد بفتحها.
"وفي عيون اتقادي أنقش الأجراح
واتحزم البأس واسري في مسام الجلد".
إنها استمدادات الوهج النبوي القادم من مجرات نجوم مرتلة في الوجدان.
"دربي ثقة تتشح بالهَدي ذي قد لاح
وعزتي من هُدى فيض الهدى تُستمد".
الثقة بالنصر لم تعد جريانا في سائل الدم، ولكنها صارت جزءا من مكوناته.
"''إن تنصروا الله'' آية في دمي تجتاح
كُلي، ويجني جناها عز، رفعة، مدد".
قصيدة كافية وحكاية قافية الكاف
معظم الشعراء المناهضين للعدوان تقريبا كتبوا قصائد بقافية الكاف. وسمعت زاملاً بقافية الكاف للمنشد لطف القحوم وزاملاً آخر للمنشد عيسى الليث، وآخر للمنشد عبدالعظيم عزالدين، وقرأت قصائد كافية لعدد من الشعراء فيها تشابه واختلاف. وهم بالمجمل يبدون وكأنهم يتنافسون على إجادتها في منصة واحدة، من جهة، ومن جهة ثانية فإن القصيدة الكافية بشكل عام مناسبة جدا لهاجس الحرب، لأن الكاف حرف حركي وفيه من الديناميكية ما يكسب النص إيجابية وطاقة عالية ومؤثرة، بحكم اشتمال الكلمات التي تحمل حرف الكاف على أسماء حربية ومعان تكاد تحوي نسبة كبيرة من لوازم المعارك، كهذه القصيدة لفاطمة القمادي، والتي سنلاحظ حضور القافية الكافية في صدر كل بيت وعجزه، ما جعلها تبدو كبارجة شعرية حيوية تجتمع فيها متعلقات وأساسيات القتال فتبدو من القوة والشدة والمتانة والشراسة كأنها مفاعل.
"من خُشم الايكي ومن زاكي وبلجيكي
وكل مجرى لهب حرك تماتيكه
بادُق عظم السعودي هو والامريكي
وازلزل الِحلف، وادمر ممَاليكه
باصليه جمر اللضى مِن رأس دبشيكي
ومِن مجَاري الشميزر بعد تسليكه
ومن شظايا حمم بُركان تبريكي
اينما اجتمع حِلف سلمان وصعاليكه
أنا اليماني ولي في الحرب تكتيكي
يا عسكر الجن جيش الببس والكيكة
باسري مع الله باسري بالتماتيكي
أرقص المجد واسامر بلاجيكه
رفيق دربي سلاحي بندقي الشيكي
ذي حنته عندنا نغمات مزيكة
وراس مال الشرف والمرجلة شيكي
مهما بلغ حجم تسليحه مع شيكه
ضيافتك عندنا بركان تسليكي
يا الغازي ارحب على موزر وبازوكة
عشاك جاهز بصحن الجن يا ازبيكي
باسقيك حارق وخارق من دباشيكه
تشكا اليماني لضيفانه كلاسيكي
لا ذاته الخصم تتوسّع مداريكه".
بنت القمادي
فاطمة صالح القمادي شاعرة من محافظة عمران، تكتب القصيدة الشعبية العمودية بإجادة. لها قصائد كثيرة منشورة في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. شاركت في فعاليات ثقافية ومسابقات منها مسابقات على مستوى الجمهورية وشاركت في مسابقة "شاعر الصمود" ووصلت إلى مراحل متقدمة. وهي باحثة في الأدب والتراث ولها أعمال في الحكايا والأمثال الشعبية. وتعمل على إصدار كتاب في الأدب الشعبي والتراث بعنوان ''أصداء من الذاكرة الشعبية''.
وفيما يلي تتحدث فاطمة عن نفسها بنص شعري جميل فيه وصف عال مكثف مفعم بالفخر والحماسة ومعبر عن الاعتزاز بالانتماء لليمن والمسيرة القرآنية. والقصيدة سينية في صدر وعجز البيت، وهذا الأسلوب من الشعر الشعبي يساهم في متانة النظم ويشد البيت بحبل مظفور بروي متقارب، والقصيدة من بحر الوافر:
"أنا بنت القمادي قرن يابس
واسمي فاطمة يا حادي العيس
يمانية ولي في الشعر هاجس
وهاجوسي غلب كل الهواجيس
يمانية وجدي قيل فارس
حفيدة فاطمة الزهرا وبلقيس
أنا أم الرجاجيل الأشاوس
وانا بنت الشهيد ذي في الفراديس
"حسين" العصر منهج كل دارس
و"ابو جبريل" نبضي والأحاسيس
مصابيح الهدى في كل دامس
سفينة نوح في كل المقاييس
أنا هدهد سبأ فوق المغارس
أزف أنباء فرسان المتاريس
أنا بركان ذي للكبر ناكس
وانا قاهر قهر كل الأباليس
وهاجسي لا هجس ما له منافس
وشعري له شروحه في القواميس".
صلاة الاندهاش
من قصيدة "صلاة الاندهاش":
"شموخي بندقي عزمي قوارش
لغازي مرتزق نازي وفاشي".
النازية والفاشية حركتان عنصريتان شاركتا في سفك دماء ملايين البشر في أوروبا. وقد أوردتهما الشاعرة في هذا البيت للتعبير عن ماهية العدوان على اليمن وأنه يحمل داء التوحش النازي والفاشي نفسه وموجود مستفحل في جينات السلطات العربية الأمريكية، والرابط بين هذه وتلك هي حركة الصهيونية التي تسببت بنشوء كل الحركات الدموية في العالم وسعت من خلالها لتدمير الشعوب أخلاقيا ودينيا وبشريا وجغرافيا وجيولوجيا في العالم، وخاصة الشعوب العربية والإسلامية.
"طواهش ساعة اللقيا طواهش
تقش اذناب أمريكا هشاشي".
الطواهش هي ضواري السباع في الثقافة اليمنية، وهي كناية عن قوة وضراوة المقاتل اليمني في مواجهة قوات وأذيال الارتزاق.
"أولو آيات عظمى بأس باطش
على آياتهم صلى اندهاشي".
من هنا، من ميادين البطولة، حيث تهز أقدامهم عروش الطغيان، جاء الاندهاش وصلى، وبما يجسد صور عظمة المقاتل اليمني في دراما شعرية بديعة.
وليس هذا وحسب، بل إن معابد مارب القديمة الممتدة في القدم تشارك المقاتل اليمني المؤمن تسابيحه وتؤوب جبالها ونقوشها وترابها معه:
"تسبح مارب العزة براقش
إذا لاح النمارة والطهاشي".
وفي البيتين التاليين تؤكد الشاعرة أن أهم أسباب صمود وثبات وانتصار الإنسان اليمني العظيم تمسكه بحبل ربه واحتزامه بالبندقية، وبذلك تحقق نصره:
"معي ربي وانا بالعز نافش
معلي في مناتي والمعاشي
تداعشكم بلغ حده وما بش
معي غير الرصاصات العطاشي".
* نقلا عن : لا ميديا