رغم أهمية الحدث وخطورته، وارتباطه بأحد الملفات المعنية بشكل كامل بدور ومهمات وواجبات مؤسسات الأمم المتحدة، لم يستغرب المتابعون الجديون للحرب على اليمن قرار مجلس حقوق الإنسان، والقاضي برفض تمديد عمل فريق الخبراء الخاصّ باليمن، وذلك عبر الضغط على الدول الأعضاء للتصويت ضدّ مشروع القرار لتمديد التفويض. والسبب في عدم الاستغراب هذا أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجميع مؤسسات الأمم المتحدة، ومنذ بدء العدوان على اليمن، لم تظهر أكثر من مراقب غير حيادي للعدوان، اذا لم نقل انها كانت متواطئة أو مساهمة في هذا العدوان، ولم يكن أحد ينتظر أن تأخذ هذه المؤسسات المنحازة للقوة وللهيمنة الغربية وخاصة الأميركية والمرتهنة للمال (لا سيما المال السعودي)، أي قرار عادل أو محق أو منطقي أو قانوني، فيما خص هذا العدوان.
في الواقع، ومع توجه أصابع الاتهام مباشرة إلى السعودية بالوقوف وراء القرار، كونها المستفيد الأول منه وكونه يشكل مخرجًا لها من التزامات أي نتائج جدية أو مهنية لعمل فريق حقوق الانسان، لم يعد أبناء اليمن ينظرون الى مسار العدوان على بلادهم، إلا من منظار استمرار مسيرة الصمود والدفاع والانتقال الى الهجوم الاستباقي، وإكمال عملية التحرير بالقوة، مع رمي كل ما قيل ويقال عن المفاوضات والتسويات جانبًا، لأنها لم تكن يومًا إلا لتقويض حركتهم في الميدان، ولإلغاء نتائج صمودهم وثباتهم في الحرب التي شنّت عليهم منذ ما يقارب السبع سنوات.
اذًا، ومع معادلة الميدان هذه يمضي أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية وأنصار الله جهادهم في مسيرة التحرير، من تقدم الى آخر ومن سيطرة عسكرية وميدانية الى أخرى، وذلك تحت عنوان رئيسي، أصبح يشكل الإنجاز الأهم والذي عليه تتوقف معركة التحرير وانهاء العدوان بالكامل، ألا وهو: معركة تحرير مأرب.
حول هذا الموضوع الميداني بما يحيط بمعركة مارب، وما وصلت إليه عمليًا، لا بد بداية من الاشارة الى أهمية الخطوات التحضيرية التي سبقت الوصول الى خط المهاجمة النهائي في مديرية الجوبة، والتي تمثلت بتحرير مديريات الصومعة والزاهر والرحبة ومناطق بيحان وحريب والعين، خاصة من المجموعات الارهابية التي كانت تشكل عثرة غير بسيطة في المعركة، لما تتمتع به من قدرات ودعم غربي مباشر، يتجاوز دولتي العدوان (السعودية والإمارات).
على الخط النهائي قبل المرحلة الأخيرة من الهجوم وتحرير مارب، يتم العمل الآن على تخطي مديرية الجوبة وتحريرها كاملة، لاستكمال عناصر وظروف انطلاق عملية المهاجمة النهائية على المدينة لتحريرها. وحيث تشكل الجوبة نقطة الزامية وأساسية في المعركة، تنشط طائرات العدوان المسيرة، القاذفة والمتخصصة بالرصد والمراقبة، لدعم وحدات العدوان والمرتزقة في دفاعها عن الجوبة، وبالمقابل ينشط سلاح الدفاع الجوي اليمني "المناسب" كما يسميه دائمًا المتحدث العسكري اليمني العميد سريع، في مواجهة وإسقاط أكثر هذه المسيرات تطورًا، نتكلم عن طائرات (استطلاع - مقاتلة) الصينية الصنع، ومنها طائرة الدرون "سي إتش فور" المتطورة، القادرة على حمل وتوجيه وإطلاق أربعة صواريخ مع حمل ذخائر أخرى بوزن حوالي 400 كلغ، وعن طائرات درون الأميركية الصنع التجسسيّة المختصة بالرصد والمراقبة البعيدة (ار- كيو 20).
صحيح من الناحية العملية، ما يجري من تقدم للجيش واللجان في الميدان يعتبر الأهم والأساسي في المعركة حاليًا، ولكن يبقى لمضمون ما يجري لناحية اسقاط هذه الطائرات الأميركية والصينية المتطورة، أكثر من بعد عسكري واستراتيجي، فهذه القدرات الغربية الأكثر تطورًا، باتت مُسيطرًا عليها، وأصبحت شبه محيدة ولو بطريقة جزئية، وهذا يساعد عمليًا في المعركة الحالية طبعًا، ولكن لهذا الأمر أهمية مستقبلية حساسة جدًا، يمكن تحديدها بالتالي:
هذه القدرة على السيطرة على الأسلحة الغربية المتطورة، تساعد لاحقًا في تقوية قدرات اليمن كدولة، إذ لم تعد هذه الدولة الضعيفة بل أصبحت الدولة القادرة القوية التي طورت وستطور حتمًا في المستقبل أسلحة نوعية بمستوى عالمي. اليمن فرض نفسه في أصعب حرب ودافع وانتصر، ومن الطبيعي أنه سيفرض نفسه بعد انتهاء هذه الحرب، وبمواجهة اللاعبين الاقليميين الذين كانوا يعتبرون انفسهم أسياد الاقليم، حيث بات لهم اليوم منافس قوي من الند الى الند، وهذا هو الأمر الحساس بالنسبة اليهم، والذي تخشاه السعودية والامارات، والذي تتجنب مع الأطراف الغربية أولًا عدم الإعتراف به وثانيًا تلافيه ومنعه اذا استطاعوا.
فالمعركة في اليمن أو العدوان على اليمن، لم تعد معركة سيطرة في الحديدة أو مأرب أو صنعاء أو الجوف أو البيضا أو شبوة أو على الحدود مع جيزان ونجران وعسير، ولم تعد معركة أسلحة نوعية (صواريخ ومسيرات ودفاع جوي)، بل أصبحت معركة امتلاك اليمن موقعًا اقليميًا قويًا، يفرض نفسه لاعبًا بين الكبار، يحمي ويصون حقوقه وسيادته وموقعه، بمواجهة اللاعبين الكبار.
* نقلا عن : موقع العهد الإخباري