هاجس الكرامة
كيف تقرأ قصائد هذه المدرسة الشعرية التي تستمد روحها من القرآن وتستلهم كلماتها من البيئة؟! وأي بيئة يمكن أن نتحدث عنها، غير هذه التي عاشت عقدين من السنين الواحد من شعرائها طوال الوقت في المعركة، وإذا رجع منها وجد أسرته أكثر حماسة منه؛ الذي فاتح قناة "المسيرة"، والذي يقرأ الملزمة، والذي يسمع زوامل عيسى الليث، والذي رايح المظاهرة لإحياء فعالية مناهضة للعدوان؟! شعراء، كل ما حولهم يصرخ ويمارس طقوس الحرب حتى في جلسات القات. يا له من جيل شرس؛ شرس على المعتدين لكنه أرق ما يكون لأهله ورفاقه ووطنه. اللطيف فيهم قد قال مئات القصائد تعري جيش الغزاة وأعوانهم والدول الكبيرة الداعمة لهم. إذن، كيف تقرأ منتج هذه الفئة من الشعراء، وهم جيل، الشاعر منهم الدبابة والقناصة وأصوات القذائف وروائح البارود بعض عتبات نصه، والتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد وسجدات الشكر بعض نصه الموازي؛ جيل، الميدان لديه مسرح والزخم الحربي سيمفونية؟!
ياسيــن الفـــروي شاعر شاب من أبناء تهامة، له قصائد شعبية كثيرة معبرة عن الحالة الثورية الراهنة المناهضة للعدوان. الثورة على الظالم حالة ممتدة من الحسين إلى زيد إلى هذه الثورة العظيمة التي يخوضها شعبنا اليمني ضد التحالف الآثم على اليمن، وستستمر إلى يوم القيامة، لأنها سنة كونية غايتها مناهضة الظلم، ولا يقام العدل في الأرض بالقسط إلا بها. يقول الشاعر ياسين الفروي:
العيش في البيت ذلة والمذلة حرام
واللوم في وجه ذي ما حركه وازعه
ما عشت اعد الجرايم بل لخوض المهام
واصنع ملاحم من ايات الهدى نابعة
حمى على النفس لا عافت خطوط الأمام
وانا الذي ذاب في الجبهة وهي والعة.
من هنا نفهم سر انطلاقته في الجبهة: الثقافة القرآنية والمتلقاة من سيرة الحسين وزيد، من جهة. وإذا كان ثمة من باعد بين نفسه وبين عيشة الذلة بـ"هيهات"، استمدادا من وهج الحسين "هيهات منا الذلة"، الذي أضاف إلى زيد وهجا ثوريا أقوى، فخرج بشعار "من أحب الحياة عاش ذليلا"، فإن لدينا ثوارا خرجوا مستمدين من تلك ثورة وتلك وهجا واستنارة، فقال شاعر تهامي، هو ياسين الفروي: "العيش في البيت ذلة والمذلة حرام"!
ومن جهة أخرى، إن ثمة وازعاً أخلاقياً ينم عن ثقافة أخلاقية كريمة اكتسبها الشاعر من بيئته القبلية الأصيلة.
"واللوم في وجه ذي ما حركه وازعه".
وإذن فقد اجتمع لدى الشاعر الدافع الثوري المستمد من ثقافة أهل البيت، والدافع الأخلاقي المستمد من مكارم القبيلة، إضافة إلى دافع فطري عرفه الشاعر من ذاته، بعد تفكر وتأنيب ضمير.
"ما عشت اعد الجرايم بل لخوض المهام".
وكل تلك الدوافع مجتمعة هي ما جعله يندفع للجبهة لخوض معارك الشرف والكرامة والوطن.
والأبيات مقطوفة من قصيدة بعنوان "محراب المآسي" تعكس الوعي القرآني والأخلاقي والوطني لديه. وهناك قصيدة أخرى عنوانها "يوم الأخذ" تعزز هذا الوعي وتبين كذلك المآخذ الفادحة على دول العدوان، والخطاب موجه لها ولجارة السوء السعودية، على وجه الخصوص، والتي بسببها خرج اليمنيون ليلقنوا العدوان درسا قاسيا في الأدب والشرف والرجولة.
كارما شعرية
ألهاكم الدولار عن كل ما صار
وانا الشرف والعز يبقى ضماري.
على النقيض من المبادئ السامية والقيم الرفيعة والغايات العليا يقف دائما المال في المقابل. في كل الأزمان والعصور ستجد أن الفئة التي تقف لمواجهة الرسل والأنبياء والمجتمعات المؤمنة هي فئة عباد المال، ولهذا وجدنا أن العدوان على اليمن ومرتزقته كلهم فئة عبدة الدولار.
يا الجار ذي ما قد رعى حرمة الجار
اليوم يوم الأخذ لا ما انت داري.
ولأن جارتنا السعودية هي الراعي الرسمي والمتعهد المباشر لشن الحرب على اليمن، ضاربة بحق الجوار وصلة الرحم والدين والعروبة عرض الحائط، قررنا أن نواجه عدوانها بكل اقتدار، لأن الذي لا يرعى فيك إلا ولا ذمة من الواجب ألا تتركه يتوغل ويتمادى في أهدافه السافلة.
الكارما مفهوم يعبر عنه بما يعني ترجمة واقعية لعدالة السماء. وهو في كل التيارات الفلسفية في العالم جزء مهم، وفي الأديان كلها أصل في تكوين أدبياتها، وركيزة مهمة من ركائز الدين في كل المذاهب. وفي الثقافة القرآنية تجد كل ما يتعلق بهذه الفلسفة مجموعا بصفة أكثر تجليا ومشمولا في التجسيد على المستوى الدنيوي والأخروي، في سورة الليل: "إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى". وفي سورة الزلزلة: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". وحتى في ثقافات الشعوب، يأتي مفهوم الكارما بصيغته الشعبية على شكل قوالب أخلاقية مضروبة في الأمثال. وعندنا يُقال: "ما أصبح في جارك أمسى في دارك"، و"كما تدين تدان"، و"من يزرع الشوك لا يحصد العنب"... وهلم جرا من الأمثال التي تؤكد تشبع شعوب العالم والمجتمع اليمني بهذه الفلسفة الإيمانية.
وفي هذا الصدد الإيماني يقول ياسين الفروي في قصيدة "يوم الأخذ":
ألهاكم الدولار عن كل ما صار
وانا الشرف والعز يبقى ضماري
يا الجار ذي ما قد رعى حرمة الجار
اليوم يوم الأخذ لا ما انت داري
باخذ جنودك بالنواصي إلى النار
وافرض على من حاصروني حصاري
حاطت بكم يا زمرة الكفر الاوزار
والحرب شبت من خشوم الجثاري
هذه عواقب كل من يقبل العارْ
نيران حمرا من لظى ذوالفقارِ
و"البدر" و"البركان" و"القدس" لاطار
نشحن وقوده من هدى "لا تماري"
قامت قيامة من غزا شعب الانصار
واصبح عشاكم يا الأسود الضواري
من وحي درس الملزمة داخل الغار
و"الصف" و"الأعراف" و"الانفطارِ"
جيت العدو من بين الاشلا والاحجار
أصنع من النهدة موجه حراري
وانا اليماني داخل البحر بحار
وفي البراري من أسود البراري
لو تحشدوا ضدي ثلاثين مليار
ما اشوفها الا مثلما جرف هارِ
باتقتلوا جوف المخابي والاوكار
ويعلن الأمريك حالة طواري
طبع العدو الحرب من خلف الاسوار
والا يرسل داعشي وانتحاري
هذا معه لحية وهذا بزنار
وهمهم قتلي وتدمير داري
واحدث شجاعة عندهم واخر اصدار
قصف المشافي والطرق والكباري
نفس العدا والمنهجية والافكار
والدعم والتمويل نفس المصاري
ذي كان مخفي في ملفات الاسرار
عرَّاه ربي واصبح اليوم عارِ
وان قاتلوكم بايولون الادبار
سنة جلية ما لها من مجاري
شاءت مشيئة خير ناصر وقهار
ان تغرق "اسرائيل" داخل بحاري
وادعس على الشيطان والجار ذي جار
والأمركة تخضع لهيبة شعاري
بقيادة ابن المصطفى السيد البار
وانصار ابو جبريل كمن حواري
تتحاصر الصهيونية دار ما دار
وكل من أيد لها في دماري
ما بيننا الأيام والوقت دوار
والفتح والتطهير والمسح جارِ
بشراك يا غزة والاقصى والانبار
باعيد في المستوطنات انتشاري
واللي جعلنا نصنع من دون طيار
هو بايمكنا لصنع انشطاري
ومن فتح خيبر حفيده والانصار
بايفتحوا الأقصى رجال المساري
بقوة الله قاصمة كل جبار
قد صرت للأجيال مَعْلم حضاري
والله ما تتحرر القدس باحجار
ما غير بـ"الصماد" والكل داري
لك الحديدة عهدها عهد الاحرار
يا صالح الصماد والثار ثاري
سطرت في التاريخ من دمك الحار
موقف جعل حبك مع الدم ساري
واقام لك في عمقنا نصب تذكار
على مدى الأزمان يبقى مزاري.
* نقلا عن : لا ميديا