|
أنا وشمسان..والداء العنيد
بقلم/ أشواق مهدي دومان
نشر منذ: 3 سنوات و شهر و 8 أيام الإثنين 25 أكتوبر-تشرين الأول 2021 06:44 م
أخبرته أني معلّمة لكنّي لا أحمل العصا ولا أستخدم الضرب، علّه يحادثني.. علّ مصراعيّ قلبه يرأف لانتظاري لكلمة تخرج من بين شفتيه في وجهه المصفر الشاحب،
كابرت حينها أمامه إذ لابد أن أكون أقوى من ذلك ، فتركته وحادثت أمه واكتفيت منه بأن أجابني عن اسمه فهو شمسان محمد أحمد الخولاني ، وكم أتمنى أن تشرق شمسان عليك _ أيّها النّقي _ البريء أولاهما شمس استجابة جسدك للعلاج حين لم ينسجم أو يستجب هذا الجسد الصغير لذاك العلاج المرهق ما أحدث فيه انتكاسة تحتاج لمتابعة جلسات العلاج أكثر فيما لو استجاب ، وأمّا الشمس الأخرى فشمس معافاتك وشفائك من داء باغتك في طفولتك المبكرة فأنت لم تتجاوز الثامنة من عمرك إلّا ولك ثلاثة أعوام تعاني من وجع في الغدد اللمفاوية ونتيجة ذلك تتجرّع آلامك فتارة يؤلمك صدرك وتارة تؤلمك بطنك التي يبدو أنها منتفخة قليلا، بينما تستمر الحمّى وتفعل فعلها في جسدك الطفولي البريء.
كان ذلك هو وصف أمه التي تأتي به من طرف بعيد من ( أطراف صنعاء ) بينما والده يعمل في رصّ بلاط البيوت لكنّ معاناتهم تكمن في شُحّ المادة وقلّة الحيلة وخاصة وهم مستأجرون سكنهم استئجارا.
معاناة توفير ما يلزمه علاج مصاب بداء عنيد في ظرف يعيشه البلد أعند وحينها تتولّد المعاناة وتتفرّع وتتفشّى فمتابعة حالة الطفل والتّردّد على الأطباء والمشافي المختصة بعلاج شمسان إضافة إلى معاناة هي الأشدّ وهي تقييد حركة طفل من اللعب يرى بقية الأطفال الأصحاء يلعبون ويضحكون ويمرحون في حين يسكن شمسان الظّل فجسده أضعف من أن يجري في لعبة أو يركل كرة أو حتّى يركّز في استيعاب درس في مدرسة؛ فوجعه يلهيه.. يشدّه.. يسرقه من طفولته؛ ولهذا كانت نظراته منكسرة.. لم يعرني اهتماما، وحتّى حين طلبت أن ألتقط له صورة امتنع وأخفى وجهه عنّي ودار به للخلف، وكأنّه يقول لي: إنا لم أعد أهتم بصورة تلتقطينها فأنت لا تشعرين بالوجع الذي يلفتني عن ابتسامة أجاملكِ بها وإن أخبرتِينى سابقا بأنك معلمة فلتكوني ما شئت ودعيني وشأني فأنا مثقل بالألم الذي أخرجني من سرب الأطفال المنطلقين بحرية يحلقون في سماوات الطفولة بجناحيها السعيدَين.
دعيني فأنا رجل وإن كنت صغيرا فلا تنظري لي بعين الشفقة.. أنا رجل لكنّي ابتليت بما كسر قلبي.
هكذا قرأت نظراته المتوارية عنّي، وما أحرق قلبي أكثر أنه لم يبتسم أبداً وقد حاول لكنه العناء والشدة والألم الذي يلهو في جسده الصغير منعته من كلّ ما قد يشعر به طفل آخر غير مصاب بهذا المرض العنيد.
ولكنه أخيرا التفت إليّ وقبل بأن ألتقط له صورة، وذلك بعد أن أهديته هدية بسيطة كنت قد شريتها لهذه المناسبة التي جمعتني به اليوم، ورغم أن بشائر ابتسامة كادت أن تشرق من شفتيك يا _ شمسان _ لكنّي لن أعتب عليك مواراتها؛ فلي قلب إنسان.. لي قلب قد سكنته، وهو يفقه تفاصيل قلبك الصغير الموجوع وقد أتقن وترجم سرّ الدمعة الموقوفة على عتبتي عينيك، والتي أثارت دمعاتي فما أن ودعتك وأمك ذاهبين لغرفة الكشافة حتّى لاحقتك نظراتي وأنصت قلبي لخطوات قدميك فانسابت دمعاتي التي أشهد بشجاعتها حين لم تخنّي أمامك.
نعم يا _ صغيري _ عدت أبكي حالتك وفاقتك، وهذا ديدني مع الدمعات التي يبدو أنها تعشق الأشواق أكثر مما تعشقها الأشواق، وغبت يا _ شمسان _ عن عينيّ لكنك لن تغيب عن روحي التي ستظل داعية لك ولمن مثلك يعاني من هذا المرض العنيد بشفاء عاجل تام ولطف من رب لطيف رحيم قادر مقتدر، والسّلام.
* نقلا عن : الثورة نت |
|
|