الفرصة لم تفت بعد لإصلاح الأوضاع. ومن المعيب أن نظل ننتظر ما سيحدث في الجبهات حتى نبدأ العمل في إصلاح ما أفسده نظام العمالة البائد والعدوان، بل يجب أن نكون جميعاً في مستوى الحدث والمسؤولية المترتبة علينا كشعب مسلم أولاً، وكيمنيين أحرار ثانياً.
لن أكون متشائما، بل واقعيا، فالفوضى والفساد منتشرة في كل مكان، حتى وصلت إلى كل بيت وفي علاقات أفراد الأسرة ببعضهم! وبعد هروب نصف أفراد نظام العمالة السابق، وسقوط مشروع النصف الآخر الذي كان يختبئ بيننا في انتظار انتهاز الفرصة لإجهاض ثورة الشعب المظلوم، كانت الفرصة سانحة لنبدأ صفحة ناصعة جديدة في تاريخ اليمن، مستغلين استعداد الناس للتغيير القادم. ولكن للأسف خاب ظن الكثيرين وانصدموا بالتسويف والاعتذارات وبعض المداهنات التي ترقى لدرجة الخيانة تحت مبرر التعايش بين جميع أفراد المجتمع!
لقد تم إطلاق الكثير من الوعود بالتغيير، ثم فوجئنا بأن الكثير تم تعيينهم عندما أعلنوا عجزهم، والرابط المشترك بينهم جميعاً هو الاستعانة بأشخاص لهم ماض قذر، تحت مبرر «التعايش» وإتاحة الفرصة! والنتيجة الماثلة اليوم هي ما نراه من مآسٍ في معظم مؤسسات الدولة. فلا المشاكل حلت ولا الفساد اختفى ولا تحسنت ظروف الناس. والمشهد اليوم هو أننا بتنا ندور في حلقة مفرغة من الخيبات ونسمع التبريرات ذاتها التي طالما سمعناها في الماضي!
الجميع يشكون من الجميع، والمشاكل تتكاثر وتتعقد، ولم نعد نسمع شيئا يهون علينا ما نراه، سوى تلك الأخبار التي تأتينا من جبهات العزة والكرامة. والسبب أن الفاسدين يتجنبون الذهاب إلى هناك خوفاً على حياتهم.
هنا تدور رحى حرب اقتصادية وشحة في الإمكانيات. ولكن لو أننا تحرينا في اختيار من يتولون المناصب وفي «بطاناتهم» والرقابة عليهم (كما حدث أيام اللجان الثورية) لكان الوضع تغير بشكل كبير، ولكانت الإنجازات هي الحدث الأبرز الذي يمكننا من تغيير نظرة العالم لنا، ولكان لهذا أثر كبير على مجريات الأحداث بشكل كبير.
لسنا بحاجة للمال بقدر ما نحتاج للحكمة. وهناك تقصير كبير في إظهار النموذج، بدل التركيز على التوعية والتثقيف فقط؛ فالدين المعاملة. وفي أروقة المؤسسات التي يختطب فيها فاسد ليعظنا عن النظام والأمانة لا يمكن أن نقضي على الفساد. وفي الشارع الذي يعتقد الناس فيه أنهم مسلمون ومتدينون بينما يقومون بنشر القاذورات وافتعال المشاكل ونشر الفوضى لا يمكن أن ننشر الخير والوئام. وابتداء من المدرسة والمسجد والمستشفى والمحكمة والوزارة والمؤسسة يجب أن نبدأ التغيير حتى نرى التغيير يحدث في كل جوانب الحياة.
اليوم يتم تعيين الأكثر تطبيلا ودهاء ومجالسة. والرشوة موجودة في كل مكان، سواء اعترفنا بهذا أم لا. والمظالم مستمرة، والوساطات لا تزال سارية المفعول. ورجال الثورة مهمشون، بل ومحاربون في وظائفهم، وأعوان الطاغوت بالأمس هم المقربون، والمسؤولون باتوا يملكون قواميس ضخمة من المبررات التي تتناقض مع ما يحدث لهم من ثراء، والشوارع أكثر فوضى وإهمالاً، والمشاكل تتكاثر دون وجود رؤية لحلها أو إيقاف تراكمها! والجانب الرقابي الضعيف لا يجني على الجهة الخاضعة لرقابته فقط، بل يمتد أثره السيئ إلى كل جوانب الحياة.
نحن لا نطالب هنا بمعاداة البعض، بقدر ما نطالب بأن نحميهم ونحمي شعبنا من شرهم وفسادهم. والخير يمتلك قوة عظيمة لإحداث تغيير عظيم وبإمكانيات بسيطة وفي وقت أقصر مما نتخيل لو استطعنا تمثيله كما يجب، بل لا مبالغة عندما نقول بأننا قادرون على تغيير وجه العالم بأجمعه لو أصلحنا البعض من مؤسساتنا فقط. بيوتنا وشوارعنا ومدننا وبلدنا ومجتمعنا يجب أن تكون مثلاً يحتذى به في كل مكان، وهذا ليس صعباً، صدقوني، فقط أتيحوا لنموذج الخير فرصة!
* نقلا عن : لا ميديا