تعال يا صديقي لنتكلم.. لقد سألتني لماذا لا أتكلم كثيرا عن القضايا العربية، ولكن دعني أولا أنبهك بأن نتكلم بصوت منخفض؛ فهؤلاء المحبطون من حولنا يمكن أن يثوروا لو سمعوا أي كلام عن العرب والقضايا العربية، فهم -كما ترى- لم يعودوا يمتلكون ترف التفلسف في مواضيع لا طائل منها، وكلهم جاء هنا ليدخن ويحرق ذاكرته ويثرثر حتى ينسى! أنت وحدك من طلب أن يتذكر، وهذا برأيي بداية الفرج!
برأيي، وهذا رأي معظم من يجلسون حولنا، أن قضايا العرب ما عادت تهم أحدا حتى العرب! فقد استطاع اليهود والصهاينة أن يحبطوا الشعب العربي ويصدموه بنفسه؛ فاليهود ملوك التضليل منذ أن كانوا، فقد قتلوا أنبياءهم، ثم انتشروا ليحلوا بلعنتهم على كل مكان وطأت فيه أقدامهم القذرة، ثم تآمروا ليجتمعوا في قلب أمتنا ليقضوا على ما تبقى من أمل للبشرية، وللأسف رغم الفارق العددي الكبير استطاع اليهود أن يروضونا يوم فرضوا علينا قيادات على مقاسهم، ولأننا متفرقون فقد انكسرنا، ولأننا حمقى فقد خدعنا، ولأننا لا نقرأ ولا نسمع للصادقين فها نحن تهنا!
اليوم العرب ثلاثة مشغولون بكره بعضهم بعض، فهناك المنبطحون التافهون المشغولون بشهواتهم، وهؤلاء أول المهرولين ليكونوا عبيدا لكبرائهم الصغار بدورهم أمام بني صهيون! وهؤلاء (الورعان) على استعداد للتخلي عن أي شيء ليرضوا سادتهم اليهود ويكونوا خداما لهم! وكما ترى يا صديقي فهم كثر، ويملكون ثروات وضعوها -عن طيب خاطر- تحت أقدام اليهود! وهم يملكون الإمكانات التي منحتهم السلطة والتأثير ليقودوا الناس للدفاع عن أحلام الصهاينة المريضة.
أما النوع الثاني من العرب فهم من يتظاهرون بالوقار والهدوء، وجزء منهم يملك المال، والجزء الآخر يملك النفوذ والقوة، ولكن هؤلاء اختاروا أن يجلسوا في مقاعد المتفرجين؛ إما خوفا على ما بأيديهم، أو خوفا على كراسيهم غير الثابتة. وهؤلاء يمثلون الغالبية العظمى.. يعانون وهم يراقبون ما يجري بصمت، وإن تحركوا ليفعلوا شيئا فهم يفعلون ذلك ببطء وحذر! وهم رغم هذا يظنون أنهم الأكثر حكمة، وغالبا ما يذهب هؤلاء ضحية جهلهم، ولا يدركون فداحة حماقتهم إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن يصل إليهم شر اليهود الذي يستهدف الجميع!
النوع الثالث من العرب هم الأقل عددا، والذين يتحركون بوعي وفاعلية، والذين يدركون خطورة ما يحدث.. ولكن هؤلاء للأسف هم الأقل حظا، والأكثر فقرا. وهؤلاء غالبا نشأت في مناطقهم حضارات تليدة، ولا تسألني عن السبب فأنا لا أعلم لماذا، ولكن ربما يكون سبب هذا أن لديهم وعيا حضاريا يجري في دمائهم، وهذا ما يجعلهم يدركون الخطر الحضاري الذي يمثله اليهود على أمتهم. هذا بالضبط ما يجعل اليهود يتحركون ضدهم، ويؤلبون البقية عليهم وعلى تاريخهم. وهذا ما يجعل هذا الصنف عرضة أكثر من غيرهم للحقد والمؤامرات، وهو أيضا ما يجعل لتحركهم أثرا يعطي باقي الأمة أملا، ولكنهم -كما أخبرتك- منبوذون ومطحونون ومعرضون لكل أنواع الحروب، ليس آخرها حرب الوكالة والإرهاب والترهيب.
كما ترى فإن مصير الأمة واحد، وطالما عانينا من التفريق والتجهيل، وحتى تكالب بعضنا على بعض! ولكن رغم أن كل شيء جلي فكما ترى معظمنا لا يريد أن يرى أو يعقل حتى تقع الفأس في الرأس! تريد مني يا صديقي أن أتكلم عن قضايا أمتنا، فمع من أتكلم؟! كلنا يعرف المشكلة ويعرف أيضا حلها، ولكننا لا نريد أن نسمع! اليهود هم العدو، والغباء هو الخطر! ولو أردنا أن نخرج مما نحن فيه فالحل بسيط؛ لو تحرك الناس للحظة فقط لداسوا على “إسرائيل” ولفر باقي اليهود عائدين من حيث جاؤوا، وانتهت كل مشاكلنا، وحفظنا مالنا الذي يضيع في الاقتتال في ما بيننا، وبنينا مستقبلنا، واسترجعنا مقدساتنا ومجدنا.. المشكلة كما ترى يا صديقي لا تحتاج لمن يتكلم، بل تحتاج -كخطوة أولى- لمن يسمع ويعقل!
* نقلا عن : لا ميديا