لم تَكُنِ الصرخةُ والمشروعُ الذي يقفُ خلفَها ترَفاً لفظياً وفكرياً، وَإنما فرضتها جُملةٌ من الدوافع والحاجات وَأفرزت مخرجاتها جملة النتائج الإيجابية الملموسة في الواقع المعاش.
وَإلى جانب أنها جاءت كالتزامٍ ديني يستجيبُ وَينسجمُ مع توجيهات القرآن الكريم الواضحة في أكثرَ من آية وَسورة، فقد تزامنت مع مرحلةٍ حرجةٍ من الأحداث الدولية والتي تعاظمت فيها نزعاتُ الهيمنة وَالاستكبار وَامتدت مخاطرُ تلك المرحلة لتهدّدَ ما بقي من مقدراتٍ وقيمٍ في المجتمع اليمني وَالمجتمع العربي وَالإسلامي عُمُـومًا.
جاءت الصرخةُ في زمن ظَنَّ الطغاةُ أنهم قد نجحوا في تحريف الوعي وَاحتواء السخط وَتوجيهه إلى جوانبَ أُخرى تخدمُهم، بعد أن أَمِنوا جانبَ الحكام وَدجّنوا الشعوبَ وَكمَّموا الأفواه، فكان الشعارُ على خلافِ الأماني والمساعي، وكان الهُتافُ به كسراً لحاجزِ الصمت وَشرارةً أولى في وَقِيْدِ الثورة التي ستتسعُ لاحقاً وَيجنَّدُ ضدها تحالُفٌ كوني فشل في إخمادها.
قالها السيد حسين: “حتى لا تمر حالة التدجين” فيما هو يدشّـن الصرخةَ في ظروف صعبة وَمعطيات ميدانية تتكالب في حجمها وقسوتها على حاضر ومستقبل المسيرة، وفيما مؤسّسُها محاصَرٌ مع بضعة نفر، لا يستبعد استشهادَه ذلك اليوم وَفي أية لحظة يقول: “اصرخوا وستجدون من يصرخ معكم في مناطق أُخرى”، وفي هذه الجملة لا مجالَ للمكابرة أَو الحديث عن المصادفة، فالشهيد كان على درايةٍ من أن الشعار سيتعزَّزُ بالدوافع والبراهين التي تؤكّـد صوابية التشخيص، كما كان على معرفة بأن الكرامةَ باقيةٌ في شعبه وسيتكفل بحمل مشعلِها من بعده، وَقبل هذا وذاك كان على يقين بأن وعدَ الله حق وَصادق.
تحُلُّ الذكرى السنويةُ للصرخة وقد انعكست فضائلُها على المجتمعِ تحصيناً من المؤامرات والأفكار التضليلية والحروب الناعمة، ودفعاً إلى ميدان الجهاد والعمل، وسلاحاً للمواجهة وَمنجلاً للبناء، كما تأتي وَقد تبينت مصاديق الوعد، واتسعت جغرافيةُ الهاتفين بها داخل وَخارج الحدود، ولا تزالُ في عنفوان حضورها تُلهِمُ الأحرار وَتصوِّبُ بُوصلتَهم لطريق الحرية وَالخلاص.