سبق لنا بالأمس أن استعرضنا شيئاً من المباني الفكرية والأسس المنهجية المعمول بها في الكثير من الساحات الإسلامية، والتي شكل تبنيها والالتزام بها المكمن الحقيقي لوجود جميع الاختلالات في مختلف الجوانب، وما ذلك إلا نتيجة طبيعية للتعاطي السلبي مع القرآن الكريم.
وقد يمتن الله على أمةٍ من الأمم أو مجتمع من المجتمعات بالهداية إلى أوضح السبل وأيسرها من كل النواحي، فلا غموض في النهج، ولا شبهات وانحرافات في الفكر والثقافة والخط المتبع، ولا خلل في القدوات والرموز التي تمثل النموذج الكامل في الجانب العبادي، وفي الجانب العملي وما يتعلق به من مسؤوليات والتزامات، ولا انعدام أو نقص للموروث الذي يحوي بين طياته الكثير من الأحداث والتجارب التاريخية، التي فيها من العظة والعبرة ما يجنب ذلك المجتمع مغبةَ الوقوع في المهالك والأخطاء التي وقع فيها مَن سبقه، وما هي إلا سنوات تفصل بين الانطلاقة وما صاحبها من تحديات وصعوبات استوجبت المزيد من العطاء والتضحيات للوصول إلى تمام النضج ومبلغ الكمال، وبين حالة الشعور بشيء من الراحة والاستقرار، فينشأ الجمود، وينتشر التواكل، وتسود اللامبالاة، ليصبح التعامل مع الواقع بغرض حل مشكلاته تعاملا جزئيا قاصرا وغير قادر على منح نظرية شاملة للحل في أي مجال، لأنه لا يطل على الواقع من فوق، ولكنه يظل حبيس حفرة التسويفات والأماني، التي تجعله يتحرك لمعالجة كل شيء وفق مراحل تتعامل مع كل مسألة أو قضية بمعزل عن بقية المسائل أو القضايا الأخرى.
ثم يبدأ التنصل شيئاً فشيئاً من الثوابت ووفق مراحل وصولاً إلى اعتماد الأسلوب التربوي الذي لا يريك الفكرة من خلال الشخص بحيث ترى عمله وتقيمه وترتبط به وتقف معه من منطلق إخلاصه للرسالة واستقامته على طريق الحق، وإنما يبذل قصارى جهده ليربطك بالشخص بعيداً عما يفرضه النهج، وتقتضيه الاستقامة في السير على الخط الذي يبينه الوحي ويحث على التزامه وتمثله كشريعة في العبادات والمعاملات، وهكذا تضيع الرسالة وتختفي قيمتها الحاكمة على كل شيء، لتصبح القيمة للشخصيات القيادية ذات الجاه والنفوذ، فهي القيمة والحجة والخط والنهج ولا شيء سواها.
* نقلا عن : لا ميديا