دائماً نلاحظ خللاً في تصريحات بعض قياداتنا بشأن الهدنة. والمشكلة إن كانت هذه التصريحات انعكاساً لما يحدث في المفاوضات. فمثلاً: بدلاً من الحديث عن ضرورة تعافي قضية الملف الاقتصادي بمجمله، نجدهم يحصرون الملف الاقتصادي بالمرتبات، وحتى المرتبات نجدهم يتحدثون عنها بشكل منقوص وغامض، بينما أولاً: الملف الاقتصادي لا يعني المرتبات فقط، فهناك عدة جوانب، منها السياسة النقدية والعملة، وأهم جانب وهو الإيرادات، حيث يستحوذ العدوان على 85% منها، وهي عائدات النفط والغاز المُصدَّر والمباع محلياً، وبذلك تمكن العدو من حصر إيراداتنا في جبايات من المواطن (ضرائب، جمارك، اتصالات، تحسين... إلخ) دون وجود أي مورد خارجي يرفد خزينة الدولة، وهذا يسبب تآكلاً اقتصادياً وعجزاً مالياً يزداد يوماً بعد يوم. ومع زيادة الجبايات، سواء من خلال استحداث وفرض رسوم جديدة على أي شيء أم رفع رسوم سابقة، فإن ذلك يزيد أعباء المواطن ويثقل كاهله، وهذا إلى جانب عوامل أخرى، مثل غياب التصحيح واستمرار الفساد وزيادة المظالم وغياب الإنصاف، ما يسبب زيادة الخنق المجتمعي ويؤدي إلى الانفجار الشعبي.
وثانياً: عندما نتحدث عن المرتبات علينا أن نكون واضحين ودقيقين جداً، ونقول: صرف المرتبات السابقة لجميع الموظفين وضمان استمرار صرفها شهريا بانتظام؛ لأن العدوان إن وافق على الطلب وبدأ التنفيذ من الشهر اللاحق للاتفاق متجاهلين المرتبات السابقة لن يكون ذلك تحايلاً منهم، وإنما بحسب طلبنا. كما أننا عندما نطلب صرف المرتبات الشهرية من عائدات ميناء الحديدة وتغطية الفارق من إيرادات النفط، فهذا بمثابة ضوء أخضر وموافقة منا لتحالف العدوان على استمرار النهب، وكأننا نقول لهم: غطوا الفارق والعجز الشهري وانهبوا الثروة براحتكم! بينما يجب أن نطالب بانتظام صرف المرتبات شهرياً من عائدات كل الموانئ، بما فيها ميناء الحديدة، وفارق العجز المالي يتم تغطيته من عائدات النفط والغاز المباع محلياً وليس الصادرات النفطية والغازية.
وفيما يخص المرتبات السابقة على العدوان أن يصرفها من عائدات النفط والغاز التي نهبها سابقاً، والتي قدرت مؤخرا بـ14 مليار دولار منذ عام 2016.
كما أن علينا إجبارهم على إيقاف تصدير النفط والغاز ما لم يتم توريد عائداته إلى مركزي صنعاء، وإزاء ذلك سيترتب على حكومتنا وبنكنا المركزي التزامات تجاه المناطق المحتلة ما دامت كل الإيرادات تورد إليه وسيوفون بها كما فعلوا سابقاً قبل نقل البنك المركزي.
وقد يقول قائل: ما الذي سيجبر تحالف العدوان على توريد عائدات تصدير النفط والغاز إلى مركزي صنعاء بدلاً من نهبها؟! وهنا نود الإحاطة بأن كل عقود بيع النفط والغاز فيها من الإجحاف والظلم على الشعب اليمني ما لم يسبق أن حدث؛ بمعنى آخر: من مصلحة الشركات أن تورد العائدات إلى مركزي صنعاء ليستمر التصدير بدلاً من أن يتوقف، وطبعاً، هذا بالإضافة إلى الخسائر التي ستلحق بدول العدوان وبالشركات في حال استمر النهب. ومسألة الإجحاف في العقود المبرمة يجب على قضائنا البت فيها.
فالقضية متكاملة ومترابطة، وكذلك يجب أن تكون الحلول متكاملة ومترابطة.
وبالعودة إلى موضوع المرتبات، فللعلم والإحاطة، ما سبق طرحه ليس كل الشروط الواجب طرحها، وإنما هي تشكل الحلول العاجلة والطارئة، وحتى لا يقال بأننا نقدم شروطاً تعجيزية ونرفض السلام ونضع العراقيل أمام المساعي، وإلا فملف المرتبات يتضمن أكثر مما ذكر أعلاه بكثير جداً. وقد سبق أن وافيت اللجنة الاقتصادية العليا ببعض الملاحظات وأفادوني بأنه تم استيعابها، وأعتقد أنه سيتم تناولها في المفاوضات النهائية كما سبق أن نشرتها في صحيفة «لا» ضمن مقال بعنوان «أجبروهم ولا تستجدوهم فأنتم الأعلون.. الملف الاقتصادي (المرتبات، الأسرى، المطار، الميناء) مطالب مشروعة».
وهذه الملاحظات هي على النحو التالي:
1. ما نستلمه حالياً من نصف مرتب بين الحين والآخر، وما استلمناه سابقاً سواء بشكل نقدي أو سلعي، لا يعتبر مرتباً وإنما معونة أو بدل انتقال أو مواصلات، احسبوها بأي شكل غير المرتبات؛ لأن المرتبات هي المبالغ التي يتقاضاها الموظف بشكل مستمر نهاية كل شهر، وبالتالي فنحن لم نستلم مرتباتنا منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2016 إلى يومنا هذا، وعلى دول تحالف العدوان دفع هذه المرتبات؛ كونها المتسبب الأول والأخير بانقطاعها عند نقل البنك المركزي من صنعاء، رغم أن مركزي صنعاء استمر بدفع كافة المرتبات لكل موظفي الجمهورية اليمنية، ولم يكتفوا بذلك، بل شنوا على عملتنا أقذر حرب شهدها العالم، وذلك من خلال طباعة العملة المزيفة بدون غطاء وبشكل متكرر وبكميات تفوق الاحتياج الفعلي عشرات المرات، ثم العمل على سحب عملتنا المعتمدة وكذا العمل على إدخال العملة المزورة إلى مناطق السيادة الجغرافية وغير ذلك من الإجراءات في إطار الحرب الاقتصادية، وذلك كله بعد أن استحوذت دول العدوان على أهم وأكبر الإيرادات وعلى رأسها عائدات الصادرات النفطية وكذا عائدات مبيعات النفط والغاز المحلي.
2. يجب عند صرف المرتبات مراعاة قيمة الريال وقت انقطاع المرتبات وقيمته عند صرفها، بحيث يستلم الموظفون مرتباتهم بالقيمة السوقية الحالية، بمعنى أنه من كان راتبه في 2015 مثلاً 60 ألف ريال، فذلك كان يعني حينها 300 دولار، فالصرف يجب أن يتم بما يوازي قيمة الدولار آنذاك ليتساوى مع القيمة الشرائية والأسعار الحالية.
3. هناك علاوات وتسويات توقفت منذ سنوات بسبب العدوان وإجراءاته السابق ذكرها في إطار الحرب الاقتصادية، وكذا إجراءات تجفيف الموارد المالية، وبالتالي يجب احتسابها وصرفها مع فوارقها التراكمية كاملة بأثر رجعي.
4. يجب صرف تعويضات لكل من توقفت مرتباتهم، نظراً لما تسبب به هذا التوقف من مشاكل وأضرار أسرية ونفسية ومعنوية، ولا يخفاكم أن الأضرار غير المباشرة أكثر بكثير من الأضرار المباشرة.
من الضروري إدراج هذه النقاط في أي تفاوض بشأن ملف المرتبات، وهي مطالب قانونية ومشروعة وحقوق لا تسقط بالتقادم.
وفي الأخير، علينا أن ندرك أن العدو يسعد كثيراً عندما يجدنا نجهل حقوقنا، وما ذكرناه هنا لا شيء أمام المسؤولية الجنائية قانونا، وكل ما نرجوه هو الاستيعاب الكامل لمظلوميتنا والمآلات المالية والجنائية لكل انتهاكات وجرائم ومجازر العدوان. والله الموفق والمستعان.
* نقلا عن : لا ميديا