تعد الضربة التحذيرية التي استهدفت ميناء الضبة النفطي في حضرموت أبرز عملية عسكرية ذات طابع سياسي منذ بداية الهدنة قبل ستة أشهر، ومنذ نهاية الهدنة مطلع هذا الشهر (تشرين الأول/ أكتوبر).
طوال هذه الفترة كانت قد برزت إلى السطح تحليلات سياسية ونظريات مؤامرة، تصور الهدنة كعلاقة تبادل منافع بين صنعاء وعدن من جهة وصنعاء والرياض من جهة ثانية، لتثبيت وضع التقسيم الاستعماري الحالي في الوطن اليمني. وفي هذا السياق نُظر إلى العروض العسكرية باعتبارها استعراضاً ضد الشعب وللتباهي، على قاعدة أن الجيوش التي تقيم عروضاً عسكرية لا تحارب عادة، وهي ثقافة سياسية عسكرية انتهازية لطالما أكدها الرئيس الأسبق الخائن علي صالح.
تكمن الأهمية الجيوسياسية للضربة التحذيرية أنها تجاوزت جغرافيا نشاط قوات الجيش واللجان الشعبية الذي انحصر سابقاً على المناطق الجنوبية والسواحل الغربية، أي البحر الأحمر بشكل دقيق. هذه الضربة التحذيرية تدشن دخول المناطق الشرقية والبحر العربي الاستراتيجي في مظلة الجيش اليمني وأسلحته الاستراتيجية الصاروخية البحرية والجوية. كما أنها تحمل رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تنتشر في سواحل اليمن. وتشير الضربة التحذيرية إلى شجاعة صنعاء، لتزامنها مع إعلان الولايات المتحدة لأول مرة تواجد غواصة نووية في البحر العرب.
عسكرياً، تشير الضربة إلى القدرة الاستطلاعية والتحكم والسيطرة لدى الجيش اليمني، واهتمامه بالمحافظة على البنية التحتية اليمنية، أي قدرته التدميرية وحكمته في الوقت ذاته.
ومن الملاحظ في هذه الضربة أن المجتمع اليمني وفي مقدمته أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية مبتهجون، فهم يعيشون أوضاعاً اقتصادية بائسة مماثلة لما يعانيه المجتمع اليمني في شمال البلاد وغربها، ويدركون أن عائدات النفط تذهب إلى البنك الأهلي السعودي، ويعد هذا الابتهاج غير الخفي نجاحاً للموقف السياسي والخطاب الإعلامي الوطنيين، فيما اقتصر الاحتجاج على دائرة ضيقة من مرتزقة العدوان من سياسيين وإعلاميين وعسكريين منتفعين من الفتات الذي يُعطى لهم.
على المستوى الدولي، مست الضربة بصورة مباشرة المصالح الغربية، باعتبارهم الناهب المباشر للنفط اليمني، لهذا سارع السفير الأمريكي إلى استنكار الضربة، والخارجية البريطانية، والمبعوث الأممي. كما التقت الحكومة العميلة بالسفير الفرنسي للغرض ذاته. وكذلك أصدرت بعثة الاتحاد الأوروبي بيان إدانة. كما تواصل أيضاً وزير خارجية المرتزقة بكل من سفير السويد ومنظمة المؤتمر الإسلامي ووزيري الخارجية الأردني والكويتي، وردد إداناتهم وتحذيراتهم كل من السعودية والإمارات والجامعة العربية والبرلمان العربي.
تداعيات ضربة الضبة عميقة، فهي مرحلة جديدة من عمر الهدنة، تثبت فيها صنعاء أنها مُصرّة على المضي نحو حل للقضية اليمنية وترفض وضع «اللاحرب واللاسلم» الراهن، فهي رسالة تطمينية للشعب اليمني في الداخل - شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وحافز لمواصلة الصمود، ومن جهة أخرى فالضربة تُعيد إحياء النشاط السياسي الإقليمي والدولي وتُعيد التذكير بالقضية اليمنية.
- ستصبح شركات النهب وسفن النهب أقل استعداداً للذهاب إلى سواحل اليمن والاستجابة لتطمينات شركة النفط العميلة.
- هناك حديث شبه مؤكد أن شركة «توتال» الاحتكارية الفرنسية بدأت إخلاء منشأة بلحاف الغازية في محافظة شبوة.
- ستتعزز مصداقية خطاب القيادة الثورية والسياسية اليمنية أمام العدو والصديق.
- تنعكس الضربة إيجابياً على صلابة موقف الوفد الوطني المفاوض.
- مما لا شك فيه أن الضربة ستخلق ارتياحاً روسياً وثقة بجدية صنعاء وشجاعتها في تنفيذ سياستها الوطنية المستقلة في مواجهة الهيمنة الغربية.
ورغم كل ذلك فلا ريب أنه ستكون هناك إجراءات عدوانية غربية أمريكية خليجية، لأن الضربة مست بصورة مباشرة المصلحة التي توحد دول التحالف والمرتزقة عموماً، والمتمثلة بنهب النفط اليمني. من المتوقع أن تكون هناك مناورة عسكرية بحرية أو إعلان عن ضبط سفن تهريب... وأياً كانت هذه الإجراءات العدوانية إلا أنها ستكون رد فعل آنياً. أما التأثير الاستراتيجي في الواقع اليمني، وخصوصاً في البُعد العسكري، فهذا التأثير وهذه المبادرة لم يعد يملكها تحالف العدوان، وباتت عملياً في يد الشعب والجيش اليمني.
* نقلا عن : لا ميديا