من يسمع صراخ الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، ويصدق انتقاده "اسرائيل" بحدَة وبشدّة لعدم تقديمها أسلحة وعتادًا عسكريًا لوحداته في معركتها بمواجهة الروس، قائلًا إنها الوحيدة من المعسكر الغربي التي لم تساعد أوكرانيا في هذه الحرب، يعتبر أن "اسرائيل" ابتعدت عن التورط في الحرب واختارت الحياد أو على الأقل الابتعاد عن الصدام مع موسكو، وأخذت موقفًا سلبيًا من الطرفين. لكن في الحقيقة، لا يمكن لكلام زيلنسكي أن يكون صحيحًا، أولًا لأن الأخير ممثل بارع وله القدرة على الايحاء بعكس الواقع، وثانيًا، وهذا هو الأهم، أنه لا يمكن لـ"اسرائيل" أن تكون محايدة في حرب هي بالأساس منخرطة في التخطيط للوصول اليها أو على الأقل هي مساهمة رئيسية بخلق الأسباب التي أجبرت روسيا على إتخاذ القرار بإطلاقها ضد أوكرانيا.
فهل يمكن القول إن "اسرائيل" انخرطت في هذه الحرب؟ وما هو دورها في الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور بين روسيا من جهة و"الناتو" أو الغرب الأطلسي وأوكرانيا من جهة أخرى؟ وأين هي خشية "اسرائيل" من تداعيات هذه المواجهة الشرسة؟
لقد اعتُبِرت "إسرائيل" المستفيد الأكبر من فوز الرئيس الأوكراني الحالي اليهودي فلاديمير زيلينسكي، بالانتخابات الأوكرانية التي حصلت عام 2019، وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك إلى أوكرانيا لتهنئته، كانت لافتة في عناوينها وأهدافها عشية خطوات جيوــ سياسية، نتيجتها كانت واضحة بعد الانحراف الكامل لتبعيّة أوكرانيا وارتمائها الفاضح في حضن الغرب، حيث نعيش اليوم تداعيات هذا الانحراف، حربًا كارثية قد تصبح عالمية ــ نووية.
من بين المؤثرين الكبار في تلك الانتخابات، كان "المواطن" الأوكراني ــ الإسرائيلي إيغور كولومويسكي، والذي شغل في فترة الانتخابات الاوكرانية حينها مناصب: رئيس اتحاد الجاليات اليهودية في أوكرانيا وعضو مجلس أمناء الجالية اليهودية في مدينة دنيبروبيتروفسك، بعد أن كان حتى عام 2011 رئيس المجلس الأوروبي للجاليات اليهودية، ورئيس الاتحاد اليهودي الأوروبي.
المفارقة اللافتة حينها في دور كولومويسكي اليهودي كانت في تمويله لمجموعات وكتائب نازية معروفة (مصطلح نازية يعني بطبيعة الحال أنها معادية للسامية حسب الشعارات التي شغل اليهود العالم بها وما زالوا)، هذه المجوعات النازية، هي التي كانت رأس الحربة ولعبت لاحقًا دورًا رئيسيًا في مواجهة المواطنين الروس، والناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، وكان ذلك من بين الأسباب الأساسية والمؤثرة في اتخاذ الروس القرار بتنفيذ العملية العسكرية في أوكرانيا حاليًا.
من جهة أخرى، وبمعزل عن دور الكيان الاسرائيلي المباشر في وصول زيلنسكي الى الحكم، ودوره غير المباشر ــ انما المؤثر بقوة ــ في اثارة حفيظة وسخط الروس والرئيس بوتين شخصيًا على الاستهداف النازي للقوميات الروسية في أوكرانيا بشكل عام والدونباس بشكل خاص، يمكن استنتاج الخوف الاسرائيلي الكبير الذي نشأ وتطور على خلفية الحرب في أوكرانيا، من مضمون مقال لمدير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي ورئيس شعبة "أمان" سابقًا، اللواء احتياط في جيش العدو الاسرائيلي تامير هايمان، في صحيفة "إسرائيل هيوم"، والذي تحدث فيه عن تشكل نظام عالمي جديد في المنطقة، في ظل التعاون المتزايد بين روسيا وإيران، والذي يؤشر بحسب هايمان إلى تحول جيوسياسي في العالم، ستكون له تداعيات كبيرة، وذلك على خلفية تشّكل جبهة في الشرق تتحالف فيها إيران وروسيا.
هذه الادعاءات الاسرائيلية حول تطور التعاون بين الروس والايرانيين، والتي على أساسها استخلص الكاتب بأن: " "إسرائيل" مُلزمة بالاستعداد لهذا الحلف"، أشارت بالتحديد إلى دعم طهران لموسكو، وتسليح إيران لروسيا بمنظومات أسلحة دقيقة، وبحسب البيت الأبيض تشارك أيضاً بصورة مباشرة من خلال مهاجمة أوكرانيا بواسطة مشغّلي طائراتٍ مسيّرة موجودون في شبه جزيرة القرم (طبعا هذا الامر نفته ايران)، وقال وزير الخارجية الايراني امير عبد اللهيان بأنّ "التعاون بين روسيا وإيران سيستمر بصرف النظر عن الحرب في أوكرانيا"، مؤكداً أنّ "لدينا علاقات تعاون متعددة المجالات بروسيا، بما في ذلك مجال الدفاع، وفي الماضي أخذنا أسلحة من روسيا وقدمنا إليها في المقابل، لكن ليس في أثناء الحرب في أوكرانيا".
الخشية الاسرائيلية تمثلت أيضًا على خلفية وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأخيرة للولايات المتحدة، حيث تُعتبر الصين المقوّضة الأولى للنظام العالمي وهي التهديد الأول في أهميته للأمن القومي الأميركي، وبأنه يجب على دول الشرق الأوسط أن تعالج مشاكلها بنفسها، فيما الولايات المتحدة ستدعم من بعيد، وبأن الأخيرة، صحيح أنها ملتزمة بمنع اكتمال حالة "إيران دولة نووية"، ولكنها لن تفعّل قوة عسكرية لتغيير أنظمة"، والمقصود هنا طبعًا: "النظام في ايران"، حيث من الطبيعي لهذا الكلام أن يثير حفيظة واستياء "اسرائيل"، خاصة في ظل الحلف الذي تراه الأخيرة يتكوّن بسرعة بين روسيا وايران.
من هنا، يمكن استنتاج حساسية الموقف الاسرائيلي اليوم، من جهة على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتداعياتها الواسعة وموقفها أو موقعها في هذه المواجهة، ومن جهة أخرى على خلفية تشكّل الحلف الروسي الايراني في الشرق، ولتبقى، استنادًا لذلك، الورطة الاسرائيلية في اتجاهين:
أولًا، ردة فعل روسيا، فيما لو اكتشفت الأخيرة حقيقة التورط الاسرائيلي في مواجهة وحداتها في اوكرانيا، وتداعيات ذلك في أكثر من ناحية، وخاصة في الموقف الروسي من مناورة الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة في سوريا.
ثانيًا: التدهور المؤكد للعلاقة بين "اسرائيل" من جهة و"الناتو" وأوكرانيا من جهة أخرى، فيما لو أحجمت "تل ابيب" فعلًا وخوفًا من ردة الفعل الروسية عن دعم أوكرانيا بأسلحة وعتاد عسكري، أصبحت الأخيرة اليوم تحتاجه وبقوة بعد اقتراب انخفاض الدعم الغربي لها، لأسباب كثيرة أصبحت معروفة.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري