باختراع مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح لدينا أرشيف دائم لسخافات وتفاهات البشر. والسبب أنه للمرة الأولى في التاريخ البشري أصبحت علاقة الكاتب بالقارئ مباشرة ولحظية. في الماضي كان الطبيعي أن يكتب الكاتب، وبعد دورة ربما تستغرق سنوات يصل ما كتبه إلى قارئه. لكن مع ثورة الاتصالات، واختراع مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا، أصبح الكاتب فور انتهائه من كتابة نصه متاحاً للقارئ. وهذا -من جهة- قلص سلطة الكاتب على ما يكتب، لأن القارئ يدخل في حالة حوار مفتوح مع الكاتب، ربما يؤدي في بعض الحالات إلى تغيير بعض وجهات نظر الكاتب، وربما يؤدي لتغيير وجهة النص المكتوب تماماً، وهذا باب خطير جداً قد يؤدي إلى تحويل مواقف كاتب النص الإيجابية إلى تبني مواقف سلبية، وطرح الأفكار المتناقضة.
هذه بدايات عصر جديد، بداية التفاهة أعيت من يداويها. ونحن بالتأكيد ضحية ملامح بداية هذا العصر، ولا يمكننا التنبؤ بما ستؤول إليه مراحل هذا العصر بتمامه، إلا بالرصد والتحليل لعلاقة الكاتب بالقارئ على وجه الخصوص، فلربما وصلنا لحالة تمكننا من معرفة كيفية صناعة التشارك، ما بين الطرفين في فعل الكتابة، فقد يرى البعض أن القارئ حين يصبح شريكاً في العملية الكتابية يتحول من كونه قارئاً ليصبح كاتباً مشاركاً؛ إلا أن الشراكة قد تكون فكرية أكثر منها كتابية؛ لأن العديد من القرّاء قد لا يجيدون فعل الكتابة، وإن أجادوا فعل التفكير والتفكير المشترك. هنا يمكننا صناعة وعي مشترك و متفق عليه.
الكلمة الواعية اليوم في أذن العاقلين الراشدين، لتفادي سخافات التافهين. يجب إدراك أن من بين مشكلات السلطة أنها تحجب الرؤية عن عيون أصحابها، وتعميهم عن قراءة التاريخ بشكل جيد، فيكرروا أخطاء من سبقهم، وفي الغالب يصلون إلى النتائج نفسها. ونصيحتي في ظل أوضاع تأجيج ثورات مواقع التواصل ألا تعولوا كثيرا على مجرد حضور أو اختفاء شخص واحد من المشهد. المسألة أكثر تعقيدا من ذلك، يشارك فيها أصحاب مصالح كبرى، هم أصلا في حالة ارتباط مع قوى خارجية قد تصل لدرجة العمالة. وكذلك شعبنا اليمني بكل تكويناته في حالة جوع حصار وعدوان، فإذا لم تكونوا واضحين مع شعبكم، وتسيروا معهم على هدف واحد، لن تحققوا شيئاً، ولن تغيروا شيئاً، وستواصلون تكرار الأخطاء وستصلون للنتائج نفسها.
ختاما، الوعي المسؤول هو إدراك أن شعبية وجماهير مواقع التواصل الاجتماعي منبعها شهوة الشهرة، وهي شهوة لتراكم الغرور في النفس البشرية، والغرور مهلكة، وقال عنه السيد القائد (عليه سلام الله ورضوانه) إن الغرور هو شيطان الشيطان. استمسكوا بالعروة الوثقى واتقوا الله، واتفقوا على تحليل سياسي واحد عن المرحلة وعن طبيعة النظام القائم، ثم ابحثوا معاً عن طريق الخلاص من عفن مصالح الماضي، وافرزوا من بينكم قياداتكم الطبيعية والسوية عن تلك صاحبة المصالح والأطماع الشخصية الضيقة، واخلصوا النية لله، يكتب الله لكم ولمسعاكم التوفيق والنجاح.
* نقلا عن : لا ميديا