من يريد أن يغير واقع هويته الصغيرة ويرفعها ليستظل تحت مظلة وسقف الهوية الإيمانيـة بوعيها وقيمها ومشروعها اليمني، فعليه أن يؤمن أولاً أن واقعه السياسي أو المناطقي أو المذهبي يستدعي تجديد الأفكار ليصعد به تحت سقف الهوية الإيمانية الكبرى وليس للسقوط والتقزم.
أكبر خدمة قدمها العدوان والحرب على اليمن، هي تسارع المواطن والشعب اليمني لمعرفة وإدراك واقتناع بأن الهوية الإيمانية اليمنية هي سقفه الكبير، وبإيمان مطلق بات يعرف شعبنا أن هويته الإيمانية هي التي تحكم أعرافه وأسلافه وعاداته وتقاليده، وحتى القانون والدولة، وكل شيء.
وفي المقابل يعرف ويعي أيضاً وبإدراك عال أن الهوية الوطنية التي شكلتها الأحزاب السياسية اليمنية في فترة الديمقراطية خذلته وكسرته وباعته وجوعته واستجلبت كل زناة الدنيا لمحاربته ومحاصرته، بينما الهوية الإيمانية دافعت عنه وعن عرضه وأرضه وشرفه وكرامته، ولهذا تسامت وعلت وانتصرت الهوية الإيمانية وأصلحت واقعها وأثبتت صحة وجودها ونفوذها في قلب كل يمني، وخير من يمثلها هي تضحيات وبطولات الجيش اليمني ولجانه الشعبية في جبهات العزة والشرف.
أما الهوية الوطنية التي تتغنى بها بعض الأحزاب السياسية، وهذا حقها طبعا، بغض النظر عن خزي وعار خيانات الأحزاب السياسية اليمنية، وخاصة تلك الأحزاب التي لبست برقع المعارضة في يوم ما، تبقى هوية وسقف من لديه مشكلة مع الهوية الإيمانية أو الإيمان بشكل عام، أو بالأصح من لديه سقف أقل يريد الاحتفاظ بهويته السياسية أو المناطقية أو المذهبية الصغيرة والقزمة.
إن الهوية الوطنية القادمة من غرف فنادق الرياض وأبوظبي، التي تنادي وتحرض اليوم وتدعو لإنتاج تعدد الهويات القزمة والصغيرة، هذه ليست هوية بل غوية، وليست وطنية بقدر ما هي مصالح شخصية وأجندة عملاء لدول استعمارية.
وهنا أريد أن أضرب مثلا على ذلك، ولكني لن أنزل لأتحدث عن هوية أقزام الفنادق، لكن دعونا مثلا نناقش هوية حزب المؤتمر الشعبي العام، وأقصد تحديدا حزب مؤتمر الميثاق، المؤتمر والميثاق الذي تأسس في عام 1982م على مبادئ وقيم ولوائح الميثاق الوطني الذي صاغته واتفقت عليه أعظم عقول اليمن الوطنية في حينه، والذي لو كان هناك عقل أو منطق أو مبادئ ثابتة باقية في أدراج هذا الحزب، وبما في ميثاقه من وثائق وأطروحات ومبادئ وطنية حقيقية، لاستطاع خلال فترة قصيرة جدا أن يشكل تحت الهوية الإيمانية أكبر كتلة وطنية سياسية بهوية يمنية حقيقية من دون أي منافس آخر.
هذا مع الاعتراف أن البعض قرر أن يتغاضى عن هوية حزب الإصلاح والاشتراكي والناصري، أو عن هوية المؤتمريين العفاشيين والإصلاحيين المؤتمريين والجنوبيين المؤتمريين والناصريين المؤتمريين والهاشميين المؤتمريين والتعزيين المؤتمريين والاشتراكيين المؤتمريين... إلخ، وهؤلاء في الحقيقة هم من خلق وصنع الهويات القزمة والصغيرة في اليمن كلها، وهذه الهويات القزمة حكمتها وتحكمت بها أجهزة استخبارات وسفارات دول العدوان من أول يوم، لذلك لن يتغير واقع الهوية الوطنية اليمنية ويرتقي للهوية الإيمانية اليمنية بالمراثي ولا بالأماني ولا بالأحلام، بل بالخطط العلمية والبرامج العملية.
ففي الأخير، من يريد أن يغير واقع هويته الصغيرة ويرفعها ليستظل تحت مظلة وسقف الهوية الإيمانية بوعيها وقيمها ومشروعها اليمني، فعليه أن يؤمن أولا أن واقعه السياسي أو المناطقي أو المذهبي يستدعي تجديد الأفكار ليصعد به تحت سقف الهوية الإيمانية الكبرى وليس للسقوط والتقزم، أما إذا كانت مشكلات واقعه الشخصي لم تتغير، فالأفكار القديمة تظل صالحة وحاكمة ومتحكمة، ولا تحتاج أن تتجدد أو تتغير منظومة حكم الأقزام والصغار أبدا.
ويبدو لي هنا أن الهوية الوطنية اليمنية بحاجة إلى بداية جديدة، شبيهة ببداية سيدنا "نوح" عليه السلام، غسيل وتعقيم بالماء والملح، لا بد أن يغرق الفساد وأحزابه وأصحابه ومنظومته وحتى أنصاره الجدد، لا بد أن يتم اجتثاث كل ما يسعى لتشويه هوية المقاتل اليمني الإيمانية، أو يريد أن يلوثها، حتى ندخل مرحلة جديدة بحق وحقيقة، لا مجرد تجديد في الأسماء مع بقاء القديم في القلب من كل شيء، وبدون هذه البداية الجديدة لن نصل إلى شيء سوى إعادة تدوير العمالة والارتزاق والجهل والفساد وكل ما هو قبيح وتافه ومنحط.
* نقلا عن : لا ميديا