فساد الغذاء هو نوع من المفاسد التي انتشرت في ظل الحضارة الغربية المهيمنة. ومما يتجاهله الناس اليوم أن للغذاء تأثيراً على التصرفات، وهو ما تظهر أهميته في العقائد والتشريعات المختلفة، حيث يتم التفريق بين ما هو حلال وحرام، وأيضا في نوعية الأكل الذي يتم تناوله من قبل فئات معينة، لتأثيره على الأعمال التي يقومون بها.
لو سألت أي طبيب عن تأثير المأكولات على الصحة لأجابك بأنها السبب الرئيس في كل أنواع العلل والأمراض منذ القدم. كما أن العادات الحديثة سببت لنا أمراضا مستحدثة أيضا، وهو تصديق للمقولة القديمة المأثورة: «المعدة بيت الداء»، وهناك تحذير يوجهه إليك الطبيب وهو يشير بيده محذرا: احذر مما تدخل إلى فمك!
لذا، من الطبيعي أن تركز الشركات العالمية على المأكولات؛ فهي تعود عليهم بعوائد مالية كبيرة، نتيجة الاحتكار والسيطرة على أسواق الغذاء. وقد مهدت الأنظمة المهيمنة لها الطريق عبر تشريعات ملزمة تحت مسمى «العولمة» و»حرية التجارة»، والعمل على توجيه الأذواق نحو منتجات هذه الشركات عبر ماكينة إعلامية ضخمة، وهذا ما نراه اليوم في انتشار المطاعم والمنتجات عابرة الحدود، والتي باتت تغطي كل أنحاء العالم تقريبا.
بالطبع هذه المنتجات يتم التركيز فيها على المذاق والشكل والسعر قبل أي شيء آخر. أما الفائدة الغذائية والقيمة الصحية فهما آخر اهتمامات منتجي هذه السلع، وهذا ما جعل سعر قطعة اللحم التي توضع في شطائر البرجر مثلا أقل من سعر تفاحة! وحاليا يتجهون نحو زراعة اللحوم في المعامل بدل المزارع، ومعظم الأبحاث اليوم تحاول تقليل تكلفة الإنتاج المعملي تمهيدا لغزو الأسواق بمنتجات «مُعدّلة».
أخطر هذه المنتجات التي تغزو أسواقنا اليوم ربما هي الدقيق والمشروبات الغازية والحلويات والأدوية ومواد العناية الشخصية والألبان وغيرها من المنتجات عالية الاستهلاك، وكل هذه المنتجات تحظى بالرواج، رغم ما يثار حولها من شكوك صحية بعد الانتشار غير الطبيعي لأمراض مزمنة وفتاكة كالسرطان والسكر وأمراض الكبد والكلى وغيرها!
بسبب ما تعانيه المجتمعات حول العالم جراء انتشار هذه الأمراض والأوبئة، اتجهت الكثير من الدول والحكومات نحو فرض قيود على هذه المنتجات. وللأسف فإن هذه الدول هي نفسها التي تقوم بإنتاج هذه المواد الضارة، وفي الوقت نفسه لا تسمح ببيعها في أسواقها المحلية إلا وفق معايير تختلف عما هي عليه في المنتجات التي تصدرها إلى أسواقنا.
فمثلا لا يتم السماح ببيع حليب الأطفال الذي تنتجه بعض الدول الأوروبية على أراضي الاتحاد الأوروبي؛ ولكنها تقوم بتصدير هذه البضائع إلى دول العالم الثالث!
الأمر بالغ الخطورة، خاصة واستهلاك هذه البضائع الرديئة له آثار اقتصادية واجتماعية وصحية سيئة على المدى المتوسط والبعيد، يؤثر على مصير هذه المجتمعات، أي أنها تؤثر على مستوى الأمن القومي للدول التي تستهلك هذه البضائع. ورغم أن «الحمائية» تعتبر حلا معقولا لكبح معظم هذه المخاطر، إلا أن هذا الأمر يتم التعامل معه ببطء ولا مبالاة غريبين.. فمتى سنتحرك في مواجهة هذه الحرب الكيميائية؟!
* نقلا عن : لا ميديا