من عجائب سنن الله في التغيير أن تجتمع في هذا الشهر ذكرى استشهاد عمودين من أعمدة المسيرة القرآنية، الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والشهيد الرئيس صالح الصماد (عليهما سلام الله ورضوانه) وإن دل هذا الاجتماع على شيء فإنه يدل في المقام الأول على تذكير إلهي لسمو ورقي حقيقة المصداقية في نهج المسيرة القرآنية بتضحية قادتها بأنفسهم.
ففي تضحية القادة تبرز القيمة الأعظم والأكبر والأشمل في سبيل إحقاق الحق وانتصاره، هذا الحق الذي نشاهد بأم أعيننا معجزات انتصاراته اليوم وهي محاطة بتوفيق ورعاية الله لها، تتشابه كل دروسها وعبرها ما حدث في كل ثورات الأنبياء والرسل ضد طواغيت الباطل، وإذا اعتبرنا أن دور المثقف الثوري الواعي يرتكز على قراءة الدروس والعبر التي صاحبت مشروع المسيرة القرآنية، أو أن يتماهى بشكل أو بآخر مع دور وتضحيات الأنبياء والرسل، فمن غير اللائق أن يترك المثقف الواعي جماهير الرسالات السماوية في العصر الحديث لتتماهى مع كفار الجاهلية والمنافقين والانتهازيين والفاسدين ليعادوا الرسل وقادة النهج الإلهي والقرآني.
في هذا المقام الكبير لتضحية الشهيد القائد والرئيس الشهيد (عليهما سلام الله ورضوانه) يلزم لكل مقال أن يستخدم لغة محددة الدلالة، لإبراز الحق وأهله وتضحياتهم، لأن هذه اللغة المحددة ضرورية لقطع الطرق المؤدية إلى المغالطات الفكرية التي يتشدق بها أعداء الله، هذا إذا كنا نريد الوصول إلى فهم صحيح لوعي وقيم ومشروع المسيرة القرآنية، وتفسير ظواهر معجزات رعاية وتوفيق الله لقادتها وأتباع نهجها ونصرهم على أكبر ترسانة لطواغيت الأرض، ومن منطلق فكرة المسيرة القرآنية وتضحية قاعدتها نجدها في المقام الأول مرتبطة بالله ورعاية وتوفيق الله، وهي منهجية اختارت الفكرة والمادة الأعظم والأرقى لتفرضها على الإنسان، ليكون هذا الفكر المرتبط بالله هو القائد المحرك للتطور الاجتماعي الثائر مع الحق ومن أجل إحقاق الحق، ولتكون المادة المرتبطة بمعية الله هي القائد المحرك للتطور الأخلاقي والاقتصادي والسياسي والثقافي.. إلخ.
إن تضحية الشهيد القائد وتضحية الرئيس الشهيد (عليهما سلام الله ورضوانه) دلالة على أن الإنسان المرتبط بمعية الله وقيادة الله لا يقهر أبداً، ويتعلم جيداً من خبرته الإيمانية هذه، كيف يثور ضد قاهريه، ويدرك أن التزامه بذلك يجعله صاحب معرفة بكيفية هلاك الأمم ومئات الملايين من البشر بسبب تخليهم عن الارتباط بالله والتضحية من أجل الله، ويؤكد لنا ذلك الواقع غير الإنساني اليوم الذي تعيشه الشعوب تلك الإجابة الحية لكافة شكوكنا، وإن المسيرة القرآنية اليوم هي المشروع الحق الذي يثبت ضرورة وجود حركة تمرد إنساني ضد الاستهانة والقهر والظلم والتبعية والارتهان، وأنه لا بد من ثورة تحررية إنسانية ضد الجبرية التي تمارسها الصهيونية العالمية ضد إرادة الإنسان حتى وصل بها الأمر إلى إجبار العالم على نكران نوعه الاجتماعي السوي الذي خلقه الله عليه، وتحويل الذكر لأنثى والأنثى لذكر، والتحكم بالرياح والأمطار والزلازل، وهذا تحد لله في خلقه وشؤونه وسننه، وهذا الأمر يكفي لكل ذي عقل سوي أن يعشق التمرد والتضحية، لأن المعركة اليوم مع العدو الصهيوني وأدواته الشيطانية معركة وجود وليست معركة حدود ونفوذ.
ختاما، إن تحليل تضحية قادة وأعمدة المسيرة القرآنية (عليهم سلام الله ورضوانه) يثبت اليوم أن القيادة التي غرستها تضحيتهم هي لله وبالله ومع الله، وأن المجتمعات قد نشأت لأول مرة بوجود الإنسان المفكر بهذا التفكير السوي، وأن مواجهة الإنسان لظروفه المادية تدفعه لتطويع وتطوير كل تلك الظروف لإشباع حاجاته المتجددة دائما، والتي على رأسها إيمانه بالله وحريته واستقلاله، وهذه قيم تدفعه للبدء بصناعة تقدمه وتطوير مجتمعاته كلها، واعيا أن التأثير المتبادل بينه وبين ظروفه هي أساس اختيار مستقبله الحر والمستقل وتحقيقه على أرض الواقع من خلال تنفيذ مشروع يقوده الارتباط الكلي والالتزام التام بأوامر ونواهي وتعليمات وتوجيهات الله وكتاب الله، لأنه سبحانه هو قائد كل حركات العزة والنصر والتطور الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والعسكري والعلمي، وهذه هي خلاصة تاريخ قيم ووعي ومشروع تضحية قادة المسيرة القرآنية ببساطة، والذي لا بد أن يتحول اليوم إلى ثقافة وسلوك حياتي دائم لدينا، حتى نسهم في تشكيل ثقافة التضحية لله والمرتبطة بالله ومع الله، ولأنها الثقافة الوحيدة اليوم التي تعد بمثابة حائط الصد المنيع ضد أي طغيان واستبداد وارتهان مستقبلي للباطل والشر الصهيوني وأعوانه وأدواته الشيطانية.
* نقلا عن : لا ميديا