يبقى موضوع المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر محلَّ تجاذبٍ وصراعٍ وتنازع وأخذ ورد، عند جميع الفقهاء والمفكرين الإسلاميين، فكلٌّ يسعى من جهته إلى أن تكون نظرته وآراؤه التي يرى فيها الصورة المشتملة على الخلاصة الإسلامية التي عن طريقها يجب صياغة التصور لدى المسلمين عن شخصية المرأة، ودورها في الحياة، وقد أخفقت معظم تلك النظريات والمسائل والتخريجات في النتيجة، لأنها لم تستند في مقدمتها إلى روح الإسلام النقية، ولم تعش رحابة وسعة آفاقه الشاملة لكل نواحي الوجود، فكانت الصورة التي استطاعت ترسيخها في الذهنية الجمعية هي: صورة قاتمة وناقصة ومشوهة إلى حد كبير، ولو أنها فهمت الدين حق فهمه، لتمكنت من رسم الصورة المشرقة في الوعي العام للمرأة، والتي تريك المرأة كإنسان، في ما تمتلكه من معان وقيم روحية وإنسانية، تحدد لها مسؤوليتها في الدنيا، وتحرك فيها التوق لنيل الجزاء العادل في الآخرة.
فليس من العدل أن نتحدث عن المرأة كأنثى، ثم نتجاهل الحديث عن شخصيتها ودورها وإيمانها وجهادها وعلمها، وحركتها التعبوية والتثقيفية والتنموية ونحو ذلك، وليتنا اعتمدنا في تناولنا للمرأة شيئاً آخر غير تلك المأثورات المخالفة للقرآن، أو جئنا بشيء مغاير للنظرة السائدة لدى الفقهاء، والتي كان مرجعها العرف، لا تعاليم الوحي والشريعة السمحاء.
إن مَن يريد أن يعرف نظرة الإسلام الحقيقية للمرأة، عليه أن يلتزم القرآن، ويتحرر من كل الثقافات والرواسب الفكرية المناقضة لكتاب الله جملةً وتفصيلاً، فالقرآن يقدم لنا المرأة على أساس دراسة عناصر شخصيتها الذاتية، من خلال ما تقدمه في حركتها الوجودية في واقع الحياة، في ما تعطيه حركتها من قيمة للأشياء، وتفسير للأحداث، إذ يرينا المرأة إنساناً كامل التكوين والخلقة، تستطيع أن تجوب بفكرها آفاق العلم والمعرفة، بالمستوى الذي يعطيها القدرة على امتلاك النظرة للأشياء كما هي، فتتمكن من منح رأيها السليم والسديد في مختلف الأمور، ولاسيما إذا صح التزامها الداخلي في خط الإيمان بالله وكتبه ورسله، لأن ذلك هو ما يضمن لها الالتزام الخارجي، في ما ستلاقيه من معاناة في خط العمل، الذي تعيش في ظله المراقبة لله، كنتيجة لما تقضي به التقوى، التي هي حركة في الروح، قبل أن تتحول إلى نظام للجسد والجوارح، لتقوى بذلك كله على مواجهة كل التحديات، في دائرة الصراع الفكري، وتجاوز المشاكل والمعوقات في دوائر الجهاد العامة والمتعددة.
فهل نتقي الله، ونتجه للتعاطي مع المرأة كإنسان، كما نتعاطى مع الرجل؟ لأن ذلك هو السبيل الذي يمكننا من إقامة المجتمع المتوازن، وما لم ننطلق منه فسيبقى الارتباك والاهتزاز والتباين والنزاع والظلم عنوانا لحركة المجتمع بكله.
* نقلا عن : لا ميديا