بالتزامن مع مرور عام على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قدمت جمهورية الصين الشعبية نص مبادرتها حول الأمن العالمي، التي اقترحها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في وقت سابق من العام الماضي.
ركزت الصين على 6 مبادئ لضمان الأمن العالمي. وبرغم أن المبادرة هي من أجل حل القضية الأوكرانية، إلا أنها في صلبها من أجل السلام العالمي.
المبادئ الواردة في المبادرة ليست جديدة، وخصوصاً احترام السيادة الوطنية للدول، التي عرفتها البشرية منذ صلح "وستفاليا" عام 1648، الذي أنهى الصراعات الطائفية الإمبراطورية بين الدول الأوروبية؛ إلا أنها كانت محصورة على احترام سيادة دول أوروبا فيما بينها دون بقية العالم (المستعمرات).
المبادرة الصينية تتجاوز "وستفاليا" في الحديث عن قواعد العدل والإنصاف الدولية، وتلتزم بمبادئ الأمم المتحدة، وخصوصاً احترام السيادة الوطنية وتجريم التدخل والعدوان بحق الشعوب الأخرى، وهي المبادئ التي قام عليها النظام العالمي عقب الحرب العالمية الثانية، حين تأسست الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1945 (عقب شهر من نهاية الحرب العالمية الثانية)، بعد أن صادقت الصين وفرنسا والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على ميثاقها، إضافة إلى غالبية الموقعين الآخرين، وكانت اليمن "المتوكلية" من الأعضاء الأساسيين الموقعين على ميثاق هيئة الأمم المتحدة.
هناك إرث إنساني للمبادئ الدولية التي أعادت الصين طرحها، فهي على الصعيد النظري ليست جديدة، ولطالما كانت الإشكالية ليست قصور الفكر البشري عن التوصل إلى مبادئ عادلة، بل تعارضها مع سياسات ومصالح الدول الاستعمارية التي تتجاوزها.
المبادرة سياسياً تُعد خطاب انتصار لقضية التعددية القطبية، على الصعيد الدولي، أي انتصار قضية روسيا والصين ومحور "البريكس"، ومحور المقاومة والدول ذات التوجهات الاشتراكية في آسيا وأمريكا اللاتينية، فالمضمون السياسي للمبادرة يتلخص في قضية إنهاء أحادية قطبية الثالوث الإمبريالي الغربي (أمريكا، اليابان، الاتحاد الأوربي - حلف الأطلسي) وإعادة التوازن العالمي، والتشديد على أهمية قواعد العدلة والإنصاف في العلاقات الدولية، وهي قيم ومبادئ تتعارض مع السيطرة الاستعمارية الأمريكية التي أخذت شكلاً عالمياً "معولماً" بعد تراجع المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي.
رحبت أوروبا بالمساعي، وكذلك أوكرانيا، مع تحفظات على المبادرة ذاتها، فيما شككت فيها الولايات المتحدة. وفي كل الأحوال فتطبيق المبادرة رهن بصمود روسيا والصين؛ إذ لا يمكن أن تقبلها الولايات المتحدة وحلف الناتو، ومازالت لديهم قدرة على المواجهة، وستكون هذه الدول بحاجة إلى تطبيقها في حال شعرت أن أفق المقاومة العسكرية للعملية الروسية مسدود، أو أن التداعيات الاقتصادية عليها باتت مثمرة. أما حالياً فلا يزال النظام الأوكراني صامداً وأوروبا وأمريكا قادرتين على مساعدتها.
وفي حال تم القبول بالمبادرة، وهو ما يعني انتصار قضية التعددية القطبية سياسياً، فإن ذلك لا يعني انتصارها واقعياً؛ إذ لا تزال الهيمنة الأمريكية الأوروبية راسخة، وخصوصاً على الدول المتخلفة والنامية، فدول العالم العربي والإسلامي وأفريقيا، التي تعد الطرف الأضعف في المعادلة الدولية، ستحتاج إلى المزيد من النضال التحرري العسكري والسياسي والاقتصادي لتكون جزءاً من العالم المتعدد الأقطاب، لا مُلحقة بأقطابه. ومما لا شك فيه أنه ومع دخول العالم مرحلة التعددية القطبية ستكون إمكانية التنمية المستقلة ممكنة أكثر مما هي عليه في الواقع الراهن. وفي هذا الإطار فإن من مصلحة بلادنا تعزيز علاقاتها سياسيا واقتصاديا مع دول "البريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، التي تسعى إلى الانضمام إليها كل من إيران، الجزائر، والسعودية.
وجدير بالذكر أن السعودية ومنذ الآن باتت تتعامل بتعددية مع العالم، لتمتعها بثقل النفط، السلعة الاستراتيجية، حيث توسع المملكة علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، إلى جانب احتفاظها بالعلاقة مع أمريكا وأوروبا، وسعيها لإعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي الاستفادة من التقنيات العلمية والاقتصادية لكل هذه الدول، ما يعطيها إمكانات أكبر للتطور.
* نقلا عن : لا ميديا