لا بدَّ من تفسيرٍ واعٍ لقدرة خطاب فخامة الرئيس اليمني المشير مهدي المَشَّاط، بمناسبة الذكرى الـ33 للوحدة اليمنية على ملامسة سر وحدة الشعب اليمني الحقيقية، ووحدة الأُمَّــة العربية والإسلامية؛ فقد بعث فخامتُه في هذا الخطاب روحية كُـلّ الجبهات في الوعي وَالإدراك اليمني ككل لأهميّة وضرورة الوحدة اليمنية أرضاً وشعباً، مستدعياً كُـلّ تلك الجبهات التي تواجه اليمن شعباً وأرضاً من عمق مؤامرة ومأساة العدوان والحصار على اليمن وبرعاية ودعم ما قال عنهم الخطاب “يفترض أن يكونوا أشقاء لليمن”، ومن هذا المنطلق نجد أن الخطاب في عمقه السياسي والاستراتيجي -قصير وبعيد المدى- يناقش في ثناياه وبشكل جدي في العقل والضمير اليمني ككل موضوع استئناف الثورة اليمنية ضد التبعية والارتهان وكلّ أشكال الخيانة والعمالة والارتزاق للخارج، واضعاً لخطوط عريضة في الفكر والسياسة لإمْكَانية البداية في كتابة مسودة عمل لتصالح شعبي وسياسي “يمني-يمني” بدون أي تدخل خارجي وَأجنبي.
تضمنت عبارةُ الرئيس: “إن عيد الوحدة يأتي في خضم هائل من الأحداث والمتغيرات المتسارعة، لتظهر لنا كشعب يمني مدى الحاجة للاعتصام بحبل الله ومبادئ السلام والتسامح التصالح، وَنأمل من الجميع سرعة المراجعة والتصحيح قبل فوات الأوان؛ لأَنَّ التاريخ لا يرحم، واليمن أَيْـضاً لن يرحم”، وهذه العبارة بحد ذاتها تدل على استشراف واضح لمرحلة اليمن القادمة ومكانتها الاستراتيجية في النظام العالمي الجديد، وتعد هذه العبارة تدشيناً مباشراً لمشروع الوعي بالذات اليمنية الحرة والمستقلة لبناء مرحلة تصحيحية، تدحر أولاً كافة حالات التبعية والارتهان والعمالة والارتزاق، وهذا وعي عالٍ وكبير بالذات اليمنية وإيمان كلي بالقدرة على تغيير حركة التاريخ لصالح اليمن الواحد والموحد، ومن هنا أكّـد الخطاب على ثبات النظام الجمهوري اليمني الوحدوي واستقراره واستعداده لضم الجميع تحت راية اليمن الموحد، وأنه مكسب مكتسب في اليد اليمنية لا سواها.
كما تضمنت عبارة خطاب الرئيس الذي أكّـد فيها للشعب اليمني كله “أن اليمن اليوم هو المقياس الصحيح لتصحيح المواقف، وهو الفلتر الحقيقي لبيان الصدق من الكذب” داعياً في الوقت نفسه جميع الفرقاء اليمنيين وكلّ الخصوم في شمال الوطن وجنوبه إلى “مغادرة مربع الخارج المعتدي على أهلهم وبلدهم، والالتقاء بعد ذلك على كلمة سواء”؛ وَهذا يعني أن التحدِّيَ المتمثّلَ في تحقيق التوافق والقبول بدعوة فخامة الرئيس على مبدأ مشروع الحرية والاستقلال وَالعدالة الاجتماعية في اليمن لا يزال يراوح مكانه ومرتبطاً بطبيعة تبعية وارتهان أدوات العمالة وَالارتزاق للمعتدي والغازي الأجنبي، وهنا تبرز ضرورة وجود تفكير جديد لدى الفرقاء اليمنيين في إطار هذه الحقيقة التي تشير إلى فشل كُـلّ محاولات صنعاء النهوض بالوحدة اليمنية ككل، ومن هنا يتضح للوعي الشعبي اليمني كله وبلا استثناء أهميّة وجود القائد اليمني الحقيقي المتمثل في السيد القائد الداعي للعدالة الاجتماعية وَضرورة الارتقاء من حالة الوعي بالذات اليمنية دينياً ووطنياً وتاريخيًّا وُصُـولاً إلى حالة الوعي بالذات القومية العربية والإسلامية.
صحيحٌ أن بداية خطاب فخامة الرئيس تطرقت لمخاطبة العقلية العربية المأساوية المرتهنة للخارج في التواطؤ على العدوان والحصار على اليمن والإصرار على تقسيمه وشرذمته، وَمن خلال القمة العربية المنعقدة في السعوديّة والمسماة “قمة جدة”، وإن دل ذلك على شيء حقيقي وملموس، فَـإنَّه يدل على أن القيادة اليمنية الحرة والمستقلة في صنعاء قد بدأت فعلياً ومنذ وقت مبكر جِـدًّا بمخاطبة الوعي بالذات القومية العربية أَو العقل العربي الكبير الذي يمثل حالة الحرية والاستقلال وَالوفاق الموضوعي مع الحقيقة التاريخية حول ضرورة التكامل في الموقف السياسي والعسكري والاقتصادي والطبيعي في الوطن العربي والتي تمثل مقومات دولة عربية واحدة، وأن التمسك بضروريات تصحيح الوحدة اليمنية هو المدخل الأول لجموع العقل العربي الكبير لقراءة العلاقة بين مفهوم الأُمَّــة الحرة والدولة المستقلة على النحو الذي يقود العرب لمشروع حضاري قومي وإسلامي، يتم الانتقال من خلاله إلى وجود اتّفاق موضوعي ثابت ودائم حول الدور الديني وَالأخلاقي والاجتماعي للوحدة اليمنية والوحدة العربية والوحدة الإسلامية في مواجهة كُـلّ الصعوبات والتحديات.
ختامًا، إن الوعي بكل هذه الأسرار يعني أن هناك لبنات أَسَاس متين وقوي لبناء مركز ومقام يمني حر ومستقل وَجديد وَكبير ومؤثر في النظام العالمي الجديد، بمعية مشتركة وفق المشترك الديني وَالثقافي والسياسي والاجتماعي بين كُـلّ من المشروع الإسلامي العربي والقومي العربي واليمني اليمني؛ وبناءً على كُـلّ أسرار هذه الخطوط والمسارات في خطاب فخامة الرئيس المشاط، لا بدَّ أن نتحمل نحن اليمنيين جميعاً مسؤولية إيجاد جيل يمني وعربي وإسلامي تعاوني جديد يفهم بداية الفارق الحضاري بين الحضارة العربية والحضارة الغربية، والوعي والإدراك أن الحضارة الغربية قامت على الفصل الحضاري عبر عقل وجودي شيطاني نمت في داخله الفلسفة المادية بشقيها الاجتماعي والفردي في مقابل حضارة يمنية وَعربية وإسلامية قائمة على الوصل الحضاري الديني والثقافي والاجتماعي يتصل فيها الإنسان بالأرض وَالعقل بالروح وَالعروبة بالإسلام.