لا تقدم اللوحة القائمة والمشهد الكابوسي الذي يلاحقنا ويطاردنا ليلاً ونهاراً منذ إعلان العدوان وحتى إعلان الهدنة الزائفة وما بعد ذلك من سلسلة اعتداءات متلاحقة ومطردة منهجياً وبصفة منتظمة ومستمرة، لا تقدم تلك اللوحة لأي مراقب سياسي أكثر من مشهد التفسخ والخراب والفساد والدمار والعنف المنفلت من أي عقال.
إن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في جنوبنا الحبيب تعبر عن نفسها بصورة مشكلات ومعضلات غير قابلة للحل يدفع ثمنها المغلوبون على أمرهم والمقهورون دائماً من أبناء شعبنا اليمني المظلوم، حيث أصبح المفهوم الجديد للعبودية هو امتلاك وظيفة العبد لا العبد ذاته، وتحويل السياق التاريخي للصراع إلى أحداث دموية ساخنة ودماء ضائعة وأرواح مهدورة في الحروب المناطقية الأهلية داخل كل ساحة من ساحات وطننا الحبيب وإلى المحاولات البائسة في تثبيت مشروع الانفصال.
ولا شك أن النظام الاستعماري الإماراتي والعدواني الشرس، وبمساعدة أمريكا وبريطانيا، يسعى بكل الإمكانيات وبكل جهد سياسي وإعلامي إلى إجهاض الوحدة اليمنية والثورة وحريتها، وإقامة نظام انفصالي في الجنوب اليمني. وذلك نتيجة منطقية لطبيعة النظام الإماراتي الاستعماري المتخلف لخلق نمط من التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية، وأيضاً خلق قاعدة اجتماعية سياسية يرتكز عليها، وخلق قوى يمانية عميلة وهامشية أداة له.
إن القوى التي وقعت في مطلع أيار/ مايو ما سمي بـ»الميثاق الوطني الجنوبي» لا يجد المرء صعوبة في اكتشاف الدلالات والرموز اللازمة للتأكد من صحة اللاوطنية التي تطبع أسس ذلك المسمى بـ»الميثاق الوطني الجنوبي»، والتي تمثل بدرجة أساسية مصالح الغرب الاحتكارية والإمارات، فهي مجرد أداة وواجهة تخفي وراءها علاقات الماضي الاستعماري بكل أبعادها وتفاصيلها.
الميثاق المشؤوم لا صلة له بالوطن والوطنية، وهدفه تفجير لحمتنا الوطنية إلى شظايا مبعثرة بين الأنانيات وفراغ الانتماء، بين الوعود والأوهام، بين الانكفاء والرغبة في الموت البطيء، حيث انتهى المطاف بالبعض خطوة خطوة وشيئاً فشيئاً لانتهاج وتبني سياسة المحتل الإماراتي، السياسة التي تسعى بكل الإمكانيات المتوفرة لديها لفصل الجنوب عن الشمال وإيصال جنوبنا الحبيب إلى مفترق الطرق، إلى الحد الفاصل بين الحياة والموت، بين الوحدة والتقسيم.
جنوبنا الحبيب يعيش بؤساً لا حدود له بتلك الأوهام والأزمات الاقتصادية والأمنية والاقتتالات المناطقية والسياسات الإماراتية التي تريد تسويق الجنوب وثرواته وترابه لمصالح الاحتكارات الاستعمارية، ويجب ألا تخدعنا تلك السياسات وأهدافها، فليس كل الطرق تؤدي إلى وطن ذي سيادة وحرية وعدالة.
إن الصراع الدائر في جنوبنا الحبيب وفي هذه المرحلة الصعبة له دلالات أخرى ونوع من تشريع نفي الذات. ومع كل ذلك يجب أن نشير إلى نقطة هامة يجب أن يستوعبها المحتل الإماراتي البغيض، وهي أن العوامل التاريخية التي أمدت الإمارات بعناصر القوة والبقاء في جنوبنا الحبيب لم تعد تفعل فعلها، لأن الظروف الموضوعية والذاتية والدولية قد تغيرت ما بين الحروب الأوكرانية - الروسية وازدياد المد الثوري الوطني وقوى المقاومة العربية الإسلامية، ولم تعد أمريكا القوة التي تستطيع أن تضمن وتحمي مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. كما أن رفع الشعارات والحماس للانفصال ليس سبباً كافياً لنجاح مشروع الانفصال، ولا أدام الله بقاءهم.
* نقلا عن : لا ميديا