ما نشاهدُه في هذه الأيّامِ من بناءٍ وتدريبٍ وتأهيلٍ في المؤسّسة العسكرية يفوقُ الخيالَ ويسابق الزمان، هي دروسٌ يخُطُّها المجاهدون في سبيل الله بدمائهم الزكية؛ ليعلموا العالم كيف تكون القيادة الحكيمة المحكومة بإطار من هدي الله القائل في كتابه الكريم: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ).
الفرحة التي غمرت نفوس أبناء محافظتَي ذمار وإب بشكل خاص وأبناء اليمن بشكل عام ساعة مشاهدتهم للمسير والعرض العسكري المهيب الذي أقامته وحدات من قوات الاحتياط بالمنطقة الرابعة بمشاركة أُسطورة الدريهمي “مروحية الهيلوكوبتر” تكسو نفس كُـلّ إنسان يمني بجو من السعادة والأنس وتجعلهم ينفقون أغلى ما يملكون وهي مهجهم في سبيل دحر العدوان ومرتزِقته وتحقيق تطلعاتهم وآمالهم في الحرية والاستقلال والوحدة والسيادة والاستقرار.
مرحلة خفض التصعيد كانت فرصة كبيرة لبناء القوات المسلحة اليمنية بمختلف وحداتها وتشكيلاتها وإكسابها خبرات ومهارات وتكتيكات وفنون قتالية حديثة تجعلها مؤهلة لخوض المعارك في مختلف التضاريس وأصعب الظروف، هذه المرحلة من خفض التصعيد تثمر في مختلف المجالات: بناءً وتأهيلًا وإعدادًا على كافة الأصعدة بمؤسّسات الدولة، ولا شك أن التدريب العسكري الذي تلقته هذه الوحدات كان مختلفاً؛ لأَنَّ هناك معطياتٍ ميدانيةً عسكرية على الواقع منذ ثمانية أعوام مضت في جميع المجالات منحت المتدربين القوة والعزيمة والخبرات والمهارات الحديثة، ورغم الحصار والقصف المُستمرّ لليمن، وخُصُوصاً المؤسّسات العسكرية من قبل العدوان خلال السنوات الماضية إلّا أن الوحدات القتالية المجاهدة خاضت ميادين القتال طيلة هذه السنوات وخاضت ميادين التدريب طيلة أشهر مرحلة خفض التصعيد وبكل بسالة وشجاعة وقوة وصلابة وتحدٍ وإقدام، واستفادت من كافة أحداثها ومواقفها ودروسها، وها هم مجاهدوها بالمنطقة الرابعة يتخرجون في الشهر الأخير من عام 44ه بالآلاف غايتهم رضوان الله وتحقيق النصر التام لليمن العظيم، وتخرج هذه الوحدات من احتياط المنطقة الرابعة فقط غير القوة الأَسَاسية وبالآلاف في مسير طويل بدأ تحَرّكه من محافظة ذمار وُصُـولاً إلى محافظة إب التي أقاموا فيها عرضاً عسكريًّا مهيبًا بعد تلقيهم دوراتٍ مكثّـفةً رفعت من كفاءتهم القتالية والإدارية والفنية والإيمانية الواعية، وزادت من روحهم المعنوية العالية، وأهّلتهم إلى مستويات عالية ستجعلهم قادرين بإذن الله لخوض معارك هجومية ودفاعية واسعة باحتراف وتنظيم وكفاءة وإيمان وبسالة وروح معنوية يصعب كسرها.
وهذا التخرج والمسير والعرض المهيب يدُلُّ على العمل المُستمرّ والإعداد والبناء العسكري والثقافي والنفسي والمعنوي والإيماني لمواصلة المشوار في مواجهة العدوان ومرتزِقته الخونة، تخرج هذه الدفعة بأعدادها الكبيرة هو إنجاز واستجابة عملية في الواقع للجيش المؤمن المنظم الذي توعد به قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في العام التاسع من العدوان، ما حصل الأيّام الماضية في إب ليس مُجَـرّد تخرج وعرض لآلاف من المقاتلين بل هو تقدم في مجال الإعداد العسكري يدل على قوة الإرادَة والعزيمة وسيظل التدريب والتأهيل عملية مُستمرّة كخطوة أَسَاسية للنصر والنجاح في القتال ومواجهة التحديات وكضرورة ملحة لتحقيق التطلعات والأهداف الاستراتيجية للشعب اليمني وقيادته الحكيمة “حرية واستقلال ووحدة وتقدم وبناء وازدهار”.
هكذا هو الشعب اليمني المجاهد لا يبالي بالأعداء مهما كانت قوتهم ولا يبالي بالتحديات والصعاب مهما بلغ مستواها بل يتوكل على الله وينطلق باستمرار في ميادين العزة والكرامة بكل شموخ، وهكذا يتم تفعيل المؤسّسة العسكرية بفاعلية تثمر في الميدان لمصلحة الشعب والوطن.
وما حقّقته وما زالت تحقّقه المؤسّسة العسكرية في المنطقة الرابعة من إنجازات في مجال التأهيل والتدريب العسكري وما وصلوا إليه من عزة وتمكين وسبق في شتى الميادين في مواجهة العدوان هو ثمرة من ثمار التسليم المطلق لتوجيهات القيادة الربانية الحكيمة من أعلام الهدى -عليهم السلام- وثمرة من ثمار المجاهدين الصادقين الصابرين الذين لا تلهيهم أية مغريات في الحياة عن الجهاد في سبيل الله والإعداد لمواجهة الأعداء المجرمين، وثمرة من ثمار المسيرة القرآنية وتربيتها الإيمانية الواعية وثمرة دماء الشهداء والجرحى العظماء وثمرة “هدى الله” المشرف الذي بعث ﻷجله الأنبياء والمرسلين؛ فهدى الله هو العزة والكرامة هو السيادة والتمكين هو الإعداد والقوة، هدى الله يعني السيادة التي هي رداء الأحرار ويعني القوة التي هي المهابة الرادعة للبغاة والمجرمين، هذه القوة وهذا الإعداد وهذه الروحية الجهادية وهذه الإنجازات المتتالية هي من ستردع الطغاة المجرمين وبهذه الوحدات المدربة المؤمنة المنظمة وبهذه الروحية المعنوية العالية نستطيع مواجهة العدوان إلى ما لا نهاية، معتمدين على الله وواثقين بتأييده ونصره، والعاقبة للمتقين.